يبدو أن استهداف التنظيم الإخواني المتأسلم للدولة قد اتّخذ منحى آخر بعدما يئس من أن يكون له وجود في الإمارات، وفقد عملياً البحرين والسعودية، وقبلهما فقد الشرعية في بلده الأم، قبل أن تتراخى قبضته في تونس، وتتأرجح في ليبيا، وتضطرب في السودان، فسرعان ما انكشف المستور بعدما تولى التنظيم بصورة مريبة قيادة بعض بلدان المنطقة حينما تسلل فجأة لينقض على الاحتجاجات التي أحالها عبر قناته المغرضة إلى ثورات شعبية عارمة تأكل الأخضر واليابس، وتقضي على كامل جينات النهضة والتنمية والازدهار، فإعلام التنظيم العالمي للإخوان المتأسلمين لا يعرف العمل إلا في ظل التوترات والفتن، لذلك نلحظ أنه يصنع دائماً جواً من التوتر أينما حل، ففي الدول غير الإخوانية يسعى الإعلام الإخواني عادة لخلق فجوة ما بين المجتمعات وقياداتها، قبل أن يخلق المشاكل التي تكون بين المجتمع الواحد، فالإعلام الإخواني تم تأسيسه على أساس الأنانية ورفض الآخر، وهو إعلام في مجمله يعتمد على العدوانية والهجوم والنظر بعين واحدة هي عين التنظيم. الأسوأ في طبيعة الإعلام الإخواني أنه لا يضع حساباً لشيء، ولا يهمه ما يحدث لغيره، فمنابر الأصدقاء قبل الأعداء هي البيئة الصالحة لنموه، ومنها يبدأ بث الفتن التي تساهم عادة في عزلة أصدقائه عن أصدقائهم وحلفائهم وأقرب الأقربين إليهم، وبنظرة متفحصة للدول التي ينشط فيها الإعلام الإخواني، نجد أنها جميعاً تعاني من خلل كبير في العلاقات بينها وبين بقية الدول، وتعيش في صراعات دائمة مع أقرب المجتمعات إليها. وبسهولة شديدة يمكننا أن نلحظ أن معظم الدول التي ينشط فيها الإعلام الإخواني ترزح تحت وطأة العقوبات الدولية بطريقة أو بأخرى، ونلحظ أيضاً أن الإعلام الإخواني يبعدها دائماً عن العودة لجادة الصواب، حتى لو كانت ترغب في ذلك. فالتورّط في العلاقة مع التنظيم الإخواني المتأسلم تتبعه توابع كثيرة لا تستطيع الدولة المتحالفة معه التخلّص منها بسهولة، لأن أساليب صناعة وتمتين العلاقات عند التنظيم الإخواني، لا تخضع لمفهوم الحاجة والمصلحة المشتركة بقدرما تخضع لمفهوم الضغوط الإكراهية، فقد اشتهر تاريخ التنظيم بتصفية الخارجين عن طوعه، وكان أول ضحايا هذا المفهوم هو حسن البنّا نفسه الذي جاء بهذا التنظيم من العدم، أو أسلوب المستندات والصور والأفلام الفضائحية التي يسعى التنظيم منذ بداية علاقاته إلى الاحتفاظ بها لوقت الشدة، فالبنية الأساسية للتنظيم بنية عدوانية تعتمد على الخلافات والحروب والضغوط، وهي بنية تأسست على الشك، فالإخواني لا يثق حتى في الإخواني الآخر ناهيك عن الحليف أو الصديق غير الإخواني. ويبرع الإعلام الإخواني في التشهير بالآخرين، واختلاق مختلف الأكاذيب بغرض اغتيال الشخصيات المعارضة وتدميرها نفسيا والوصول بها إلى أقصى مراحل الإحباط، وبنظرة سريعة لأكبر وسائل التنظيم الإخواني الإعلامية التي تمت زراعتها في وسط الخليج، تتجلّى أمامنا كل الطرق التي يفكر بها وينتهجها إعلام هذا التنظيم، فالصورة يسهل التلاعب بها، بل وحتى يتم ذلك بإتقان فإن الجودة ليست مطلوبة لأن جودة الصورة تعني كشف أدنى تلاعب فيها، وفوق ذلك تأتي عملية المكابرة، فتقوم بتصوير الوضع على غير ما هو عليه، متحدّية كل ما يراه الناس بأم أعينهم، وطالبة منهم أن يصدقوا ما تطرحه ويكذّبوا الواقع مهما كان واضحاً وجلياً، ويكفي أن نشهد لدقائق معدودة تغطية تلك الوسيلة الإعلامية الإخوانية لأحداث مصر، ونقارنها مع تغطية بقية القنوات، بما فيها القنوات القائمة في داخل مصر التي تنقل الأحداث من مواقعها، لندرك أننا نعيش في عالمين، عالم نعيش فيه ونشهد فيه كل شيء بأمّ أعيننا، وعالم آخر تصوره لنا وسائل الإعلام الإخوانية محاوِلةً بشتّى الطرق إقناعنا بأن الحقيقة هي ما نراه بعيون الكاميرات الإخوانية فقط. وفي ساحات التواصل الاجتماعي، والتي سبق التنظيم الإخواني المتأسلم كل كيانات المنطقة في التركيز عليه وزرع جيوش كثيفة العدد فيها، حتى إذا طال التنظيم رشق من هنا أو هناك، هبّ الجيش الإلكتروني لخوض غمار معركة وهمية لتشتيت الرأي العام عن أصل المشكلة وجرّه لمشاكل جانبية أخرى، والأهم من ذلك في أدبيات الإعلام الإخواني، هو الحدّ المسبق من قدرات المهاجمين النشطاء عبر إشغالهم بالدفاع عن أنفسهم، وتكذيب ما يفبركه الإعلام الإخواني من تهم، فتضيع القضية الأساسية، ومن ذلك ما أوردته إحدى الصحف القطرية التي وقعت تحت تأثير الإخوان المتأسلمين، وانهالت على نشطاء دولة الإمارات، ذاكرة إياهم بالاسم وراصدة رصداً أمنياً واضحاً لكل كتاباتهم وأنشطتهم الإعلامية، كما قامت بمهاجمة جهات وطنية وشخصيات سيادية وبعض الشخصيات الإعلامية والمجتمعية النشطة التي قارعت التنظيم بالحجة والمنطق والأدلة، وقد فضحت الصحيفة القطرية في ردها الأمني الطويل طبيعة العبارات التي تأسس عليها الإعلام الإخواني، فصحيفة تحترم نفسها وقراءها لا يمكن أن تستخدم عبارات لا تليق من قبيل معتوه ومجنون وغيرها من الشتائم الشخصية التي اعتاد الإعلام الإخواني التّستر وراءها في كتاباته الانفعالية التي تهدف دائماً لتنفيس الغضب ولفت الأنظار للضيق الذي يحس به التنظيم، لا الرد المعتمد على التحليل والمنطق والحقائق. عجز العبارات التي استخدمتها تلك الصحيفة القطرية في التهجم على الإمارات وناشطيها تم فهمها من قبل الشارع الشعبي الإماراتي على أنهما رسالة من التنظيم الإخواني المتأسلم الذي أراد أن يثبت للدولة أن أبواقه التي اعتادت اعتلاء منابر المساجد للتهجم على الدولة، حتى لو تم حجبها مؤقتاً بسبب التوترات التي تمرّ بها المنطقة، فإن هناك أبواقاً احتياطية أخرى ستظل تعمل، وهي رسالة أراد بها التنظيم إحراج حاضنته وإبعادها عن أيّ تقارب مع جيرانها، خاصة أن الإمارات والسعودية ومصر قد أعلنت التنظيم إرهابياً، ما يعني أن التعامل معه أو مع من يحتضنه مستحيل، وهو موقف يجعل من حلّ الأزمة الخليجية الراهنة أمراً صعباً، إذ أن عودة قطر إلى دول التعاون تعني تنفيذ الاتفاقيات الخليجية التي تعني تسليم الإرهابيين، وفكّ ارتباطها العلائقي معهم، وهو ما لن يسمح به التنظيم الذي يعلم قادته تمام العلم بأنهم سيكونون ضحايا أول اتفاق بين دول التعاون وقطر، وفي حال حدوث ذلك سيعيش التنظيم ظروفاً أصعب من تلك التي عاشها في بلده الأم، خاصة وأن تركيا التي كان التنظيم يضع عينيه عليها كبلد لجوء محتمل، تتأرجح الآن بين فضائح «الإخوان»، ما يهدد بعدم استمرار حكمهم، والخوف من أن تأتي حكومة تقف ضدّ التنظيم وتقوم بتسليمهم كمطلوبين، لذلك سيستميت التنظيم الإخواني المتأسلم دون شك من أجل إدامة القطيعة ولضمان ملجأ يأوي إليه قادته.