ربما تكون مفاجأة للجميع إذا علمنا أن الطالب الذي نفذ عملية اغتيال الشهيد الرقيب عبد الدايم عبد الفتاح أحد أفراد الشرطة بمحافظة الشرقية وأصاب زميله الآخر، هو طالب بالفرقة الرابعة بكلية أصول الدين في جامعة الأزهر الشريف اسمه أحمد عبد الرحمن حجازي. والسؤال المهم ما الذي يدفع طالب بكلية أصول الدين إلى قتل النفس التي حرم الله قتلها، واعتبر من قتلها بغير ذنب فكأنما قتل الناس جميعاً: كيف يتحول طالب ببيت الوسطية الإسلامية وعنوان جمع شمل العرب والمسلمين إلى إرهابي يقتل الناس ويسعى في الأرض فساداً؟ ألم يأته نبأ الأزهر الشريف الذي حمى مصر والأمة العربية عقوداً طويلة من الإرهاب والتطرف، والذي كان عنواناً لمقاومة الاحتلال والإرهاب بكافة أشكاله وصوره، قبل أن تحاول جماعة «الإخوان الأميركيين» السيطرة عليه وتحويل جامعاته من منارة للعلوم الدينية والدنيوية إلى مصدر من مصادر الإرهاب والحرب على الدولة وتكفير المجتمع. لا أعتقد أن اعتقال كل الطلبة الذين يساندون جماعة «الإخوان» الإرهابية، أو حتى يعتنقون فكراً متطرفاً، سيكون حلاً كافياً وناجعاً، فالعديد من التجارب أثبتت أن بعض الشباب يدخل إلى السجن حاملا مبادئ وأفكاراً متطرفة، ويخرج منه إرهابياً متكامل الأركان نظراً لطول مدة جلوسه مع الجماعات عتيدة الخبرة في الإرهاب والإجرام داخل السجون. الحل يجب أن يكون حلاً مجتمعياً شاملاً، تتدخل فيه الثقافة لتلعب دوراً رئيسياً في مواجهة الأفكار المتطرفة، لأنه في النهاية لا يمكن أن تحبس الأفكار حتى وأن كانت خبيثة، ولكن يجب أن تواجهها بفكرة أكثر جاذبية للناس وتحديداً الشباب، وتقدم النقد اللاذع لكل الأفكار المتطرفة وتوضح خطورتها على المجتمع وعلى الدولة وحتى على معتنقيها. أعلم أن الوضع الاقتصادي والاجتماعي في مصر يضغط على كاهل المواطن بشكل كبير جداً، وربما تساهم بعض المشاريع الكبيرة مثل مشروع المليون وحدة سكنية، الذي تنفذه القوات المسلحة المصرية بالتعاون مع الإمارات العربية المتحدة في حل مشاكل الإرهاب عبر استفادة الشباب من هذه الوحدات السكنية بأسعار مناسبة للظروف الحالية، وكذلك مشاريع أخرى مثل تطوير العشوائيات ومشروع تنمية محور قناة السويس، وفتح المجال وتهيئة الظروف أمام انتقال ملايين المواطنين إلى منطقة سيناء من أجل إنشاء نهضة صناعية وزراعية كبرى، وتعمير هذه المحافظة التي دفعت مصر دماء أغلى وأنبل أبنائها دفاعا عن حريتها وعودتها كاملة إلى حضن مصر، والتي قد يساعد وضع خطة تنموية شاملة لها والبدء في تنفيذها وكذلك حل مشاكل أهالي سيناء في تملك الأراضي وإزالة الشعور لدى بعضهم بأنهم مواطنون من الدرجة الثانية سوف يؤدي إلى محاصرة الإرهاب في أكثر أماكن تواجده. ويساعده على معاونة القوات المسلحة المصرية في إنجاز مهمة القضاء على العصابات المسلحة التي أتى بها الرئيس المعزول وجماعته لتكون الميليشيا التي تحارب الدولة، وتقتل المصريين إذا فكروا في الخروج عليه، ولكن الله العزيز القدير أراد أن يقضي على هؤلاء قبل أن يبسطوا نفوذهم على الدولة المصرية، وكذلك كانت إرادة الشعب المصري العظيم في 30 يونيو، ومعه قواته المسلحة في إزاحة هذه العصابة والبدء في مواجهة إرهابها مهما كلفنا هذا من تضحيات ودماء شباب هذا الوطن. لذلك وكما نوهت سابقاً، فإن الثقافة سيكون لها دور مهم لمحاربة الإرهاب، وكما أننا نحتاج الملايين الوحدات السكنية ودعم الخبز والطاقة، فإننا أيضاً نحتاج إلى دعم الكتاب وإعادة طباعة العديد من الكتب التنويرية التي تحدثت عن الدين والدولة وتطبيق الشريعة مثل كتب الدكتور محمد عابد الجابري، وكتب نصر حامد أبوزيد وفرج فودة الذي اغتالته يد الإرهاب الآثمة، لأنها لم تستطع أن تواجه كلماته التي كانت أقوى من الرصاص وبقيت هي خالدة راسخة وهزم الإرهاب في كل محاولاته للنيل من مصر وشعبها العظيم. نحتاج إلى الاهتمام مرة أخرى بالمكتبات العامة، وقصور الثقافة ينبغي أن تعود لمكانتها وتقدم عروضاً فنية ومسرحية، وأن يشجع الإعلام المواطنين على الذهاب إلى الأماكن التي تقدم مثل هذه العروض الفنية، وتشجيع الأسر إلى تنمية مواهب الأطفال الفنية، فقد كان صوت أم كلثوم وفنها يؤلف بين قلوب العرب جميعاً ويجمعهم فن سعاد حسني وأدب إحسان عبد القدوس ومسرح عادل إمام، وهذه هي قوة مصر الناعمة التي خرجت من قصور الثقافة ومن الأزقة والحواري في كل ربوع الوطن. أعلم جيداً أن المشير عبد الفتاح السيسي قارئ جيد لتاريخ مصر، ويعي جيداً مدى تأثيرها في محيطها العربي ومدى تأثرها به، وكما دعا الرجل إلى تحالف عربي موحد لمواجهة التطرف والإرهاب ولعمل التنمية الشاملة في الأمة العربية، فهذان الطريقان هما أقصر الطرق للقضاء على هذه الجماعات المتطرفة في أمتنا العربية، فإننا يجب أن نضيف على مكافحة الإرهاب و تعزيز التنمية مشروع ثقافي عربي وسطي، يواجه الفكر المتطرف بأفكار تنويرية ويقاوم محاولات التغريب التي يتعرض لها الشباب العربي برؤية ثقافية عربية معاصرة بعيدة عن الجمود وبعيدة عن التغريب. ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــ ـ محمود بدر صحفي ومؤسس حركة تمرد المصرية