برعاية كريمة من سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية استضافت أبوظبي المنتدى العالمي «تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة» ، وقد جاء هذا المنتدى في حقبة حرجة من تاريخ الأمة العربية والإسلامية، فكلنا شاهد على ما يجري من قتل وذبح باسم الدين والتدين، حيث فقد الدين أبسط معانيه، ألا وهو السلام هذا الهدف المنشود المفقود، هذا المقال يرصد سبباً وجيهاً في غياب ثقافة السلام في مجتمعاتنا العربية المسلمة، إنه ركن الحوار الذي نسمع عنه كثيراً، لكننا لم نتعمق في معانيه، ولم نفهم مراميه، فكيف نتمكن من ممارسته في مجتمعات تفقد أبجدياته. الحوار بين الناس له أصناف كثيرة، فمنه ما وجد للأنس والطرافة، ومنه لنشر الفكرة والمعرفة، وأهم نمط ما كان لإقناع طرف بوجهة رأي الطرف الآخر، وهذا مربط الفرس في مقالي. فمن يتابع مجريات الأحداث، يجد أننا في مجالسنا ومنتدياتنا العامة والخاصة أو الإلكترونية لم نتعود بعد على أدب الخلاف، والذي يتلخص في المقولة المشهورة رأي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب، لأننا لا نتصور في لحظة الغرور الفكري أن يكون الصواب مع غيرنا. قال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه «ما أنت بمحدث قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة»، هذه الفتنة التي نعيشها عندما خاضت العامة في مهام الخاصة، محنة لها جذور متعرجة لكن منها أننا أغفلنا ركناً مهماً من أركان الحوار، هو احترام التخصص. فكثير من الجهلاء في موضوع النقاش أصبحوا قادة فكر ومنظرين رغم أنك لو تأملت في سيرهم الذاتية لرأيتهم بعيدين جداً عن مجال الحوار، وفوق جهلهم بالموضوع يأتي تعصبهم لرأيهم، رغبة منهم في جمهرة الناس من حولهم وقيادتهم ربما لحتفهم. من يتابع ما يكتب اليوم في قنوات التواصل الذكية يجد ما ذكرته جلياً، فقد انشغل الناس بالقيل والقال والاقتتال في مسائل الخلاف التي لو ردت لأولي الأمر منهم لعرفوا جهلهم وضحالة فكرهم. فبعضهم للأسف الشديد فقد الصورة الكلية للمؤامرة على الأمة العربية في ظل ما يعرف بـ«الربيع العربي»، الذي تحول جلياً إلى خريف لا نعرف صيفه الذي يحرق يابسه قبل قطف ثمره. الحوار مهارة مكتسبة لا بد أن نبدأ في تأصيلها أولاً في منازلنا ثم عبر مدارسنا ومناهجنا التعليمية وفي وسائلنا الإعلامية كي نربي جيلًا يجيد هذه المهارة ويكون جاهزاً للفهم والتحاور برؤية بعيدة جداً، ويفقه الأمر قبل الخوض فيه، لقد تربت بعض الشعوب العربية في ظل أنظمة طمست الحوار في منتدياتها، ومدارسها وأجهزتها الإعلامية، فلما قرر البعض البحث عن الحرية سلك لها درباً زاد الطين بلة، العقلاء الذين نحتاجهم في هذه المرحلة الحرجة هم فرسان الحوار العاقل، لأن جل مانراه اليوم هو حوار عاطفة لاعقل فيها، مما يجعل أصحابها يميلون في كل يوم كلما تغيرت الريح حولهم. الحوار له هدف واحد، هو الوصول إلى الحق أو الحقيقة، لذلك من المفروض فينا أن نتنازل في بعض الأوقات عن عواطفنا إن كان الحق مع غيرنا. أما التعصب للرأي، وإنْ خالف الحق فهو الهوى، لذلك عد من الحجر على العقل الانتماء الأعمى للجماعات المتطرفة، التي أسقطت من أدبياتها الحوار، وربت جيلاً منغلقاً على طرح واحد وفكر ضيق، فكان ما نرى من فوضى لا مخرج منها إلا بالعودة للعقل.