ليست مجرد أزمة عابرة، ولكنها خلاف سياسي تعمق بين قطر، ودولة الإمارات والمملكة العربية السعودية ومملكة البحرين الدول الثلاث التي سحبت سفراءها من الدوحة الأربعاء الماضي، وهي سابقة في تاريخ مجلس التعاون الخليجي، الذي مضت على تأسيسه ثلاثة وثلاثون عاماً، ورغم التصعيد الإعلامي المشترك فنحن بحاجة إلى قراءة متأنية للأزمة الحالية من أجل الاستعداد لما قد لا يحدث والتعامل مع ما حدث. ولسنا في هذا المقال بصدد دراسة الأسباب والمسببات، التي أفضت للخطوة الثلاثية بقدر ما ننظر للانعكاسات المترتبة على إدارة الأزمة بالتصعيد أو الاحتواء من أجل دراسة وتحليل الأزمة ومحاولة الخروج منها بأقل الخسائر وتأخير الأزمة اللاحقة إن تعذر تعطيلها في حال إجراء خطوات إضافية، من شأنها تأجيج الأزمة كإغلاق الحدود مع قطر أو تجميد عضويتها في منظومة التعاون الخليجية، وهو ما يطرح تساؤلاً خطيراً عن مصير مجلس التعاون كمنظمة إقليمية خليجية. ويؤسس القرار الثلاثي لبداية تحول حقيقي في مسار العلاقات الخليجية الثنائية وللسياسة الخليجية الموحدة في إطار مجلس التعاون الخليجي، فطوال السنوات السابقة كانت دول التعاون تنتهج سياسة احتواء المشكلات السياسية واحتواء الأزمات الثنائية، وعلى رغم التوترات والامتعاض من السياسة الخارجية القطرية فإن الخلافات سرعان ما يتم احتواؤها بين الأشقاء الخليجيين، ولعل التوافقات بين الدول الثلاث حول السياسات القطرية المراوغة أدت لتشكل محور خليجي ثلاثي يتوافق في الرؤى حول مصادر التهديد الآنية والمحتملة للأمن الوطني وللأمن الجماعي لدول الخليج، وتوافق ثلاثي حول السياسة القطرية كأحد مصادر التهديد لأمن وللأسس التي قام عليها مجلس التعاون الخليجي كما ورد في البيان المشترك كخطوط حمراء في العلاقات البينية بين دول مجلس التعاون سبق الاتفاق والتوافق عليها، حيث عملت الاتفاقية الأمنية الخليجية على رسم السياسات الأمنية بين الدول الست، وتوضيح الخطوط الحمراء وتحت مظلة مجلس التعاون الخليجي. ومن ناحية أخرى، تشهد المنطقة انحسار الدور السياسي، الذي لعبته قطر في المنطقة العربية طوال العقد الماضي، ففي أعقاب ثورات «الربيع العربي» سرعان ما تحولت رهانات قطر لخسارات متلاحقة، فخسرت قطر الرهان في مصر على «الإخوان المسلمين»، وتراجع دور حركة «النهضة» في تونس، وتفاقمت تعقيدات الحالة في سوريا مع استمرار قطر في التودد لأطراف إقليمية كإيران وتركيا لها مصالح مباشرة في تأجيج الأزمات السياسية العربية، من خلال سياساتها أو دعمها لأطراف كـ«الإخوان المسلمين» أو «حزب الله» أو الحوثيين في اليمن، في الوقت الذي تشكل مناخ سياسي خليجي- عربي مناهض للسياسة القطرية. ومع انحسار الدور القطري تشكل محور خليجي عربي يرتكز على دولة الإمارات والمملكة العربية السعودية ومصر، وبدا تدريجياً أن مركز الثقل السياسي ينتقل باتجاه المحور الإماراتي السعودي المصري؛ مثيراً استياءً قطرياً، وهو متغير استراتيجي مهم في لعبة الأدوار السياسية لابد أن يؤخذ في الاعتبار عند تحليل السياسة الخارجية القطرية. إن الوضع اليوم لا يحتمل إلا سيناريوهين، الأول أن يتم التعاطي مع الخلاف بطريقة واقعية ويتم احتواؤه من قبل الأطراف وأن ترضخ قطر للمطالب الثلاثية، أو أن ترضخ كل الأطراف لمحاولات التهدئة، التي تبذلها أطراف خليجية أو عربية، وأن يستفاد من الأزمة في تطوير آلية فعالة لفض المنازعات بين دول التعاون من خلال منظمة مجلس التعاون الخليجي. والثاني، سيناريو تصعيد الأزمة وصولا إلى خروج قطر من مجلس التعاون الخليجي، أي إعادة صياغة مجلس التعاون، وبالتالي بحث قطر عن محاور جديدة لضبط التوازنات الخليجية ستشتمل بالضرورة على إيران المتحفزة دوماً لاختراق الكيان الخليجي، أو تشكيل محور ثلاثي يشتمل إيران وتركيا وبالتالي التأثير على أمن الخليج. إن الأزمة الحالية هي التحدي الأكبر الذي واجهه المجلس منذ التأسيس، وهو ما يستلزم قراءة عقلانية متأنية من متخذي القرار، والتأمل في سيناريو التصعيد والمناقشة الهادئة لسيناريو التهدئة لنزع فتيل الأزمة أو التعاطي مع توابعها.