المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة يقودان تحالفاً إقليمياً لحماية مصالح دولتيهما وشعبيهما والمصالح العربية، وهو تحالفٌ تجلّى على عدة مستوياتٍ دولياً وإقليمياً وخليجياً. رحبت الإمارات بالأمر الملكي السعودي الذي أصدره خادم الحرمين الشريفين قبل ما يزيد على الشهر، والذي تبعه بيان تفصيلي من وزارة الداخلية، وبحسب وكالة الأنباء الإماراتية (وام) فقد «أشادت الإمارات العربية المتحدة بقرار المملكة العربية السعودية الشقيقة إدراج مجموعة من المنظمات من بينها (جماعة الإخوان المسلمين) على قائمتها للجماعات الإرهابية، وأعربت وزارة الخارجية عن تأييد دولة الإمارات ووقوفها بقوة مع التوجه الذي انتهجته المملكة العربية السعودية باعتبار هذه الجماعات إرهابية .. وأشادت بصدور القرار في هذا التوقيت المهم من تاريخ الأمة وهي تتعرض لفتنة تهدد استقرارها وأمانها ووحدة الصف بين شعوبها. وأكد البيان أن دولة الإمارات لن تألو جهداً في سبيل تعزيز التعاون مع الأشقاء في السعودية لمواجهة هذه الجماعات الإرهابية». المواجهة التي خاضتها دولة الإمارات مع جماعة «الإخوان المسلمين» هي نموذجٌ للنجاح وحسن إدارة الأزمة، وقد أدارتها برؤيةٍ ثاقبةٍ وتخطيطٍ متكاملٍ وقد خرجت منها منتصرةً، وهي وعت مبكراً الخطر الحقيقي الذي تشكله تلك الجماعة على الأوطان والدول، واتخذت قرار المواجهة ونفّذته للنهاية. كانت جماعة «الإخوان المسلمين» تخشى من رؤية الإمارات ووعيها الصلب تجاه ألاعيب الجماعة وأهدافها، ومن هنا قامت بشن حملاتٍ شرسةٍ ضد الإمارات شارك فيها رموز «الإخوان المسلمين» من الجماعة الأم بمصر كعصام العريان الذي هدد الإمارات بإيران وقوتها ورموزها في الخليج وعلى رأسهم القطري بالتجنيس يوسف القرضاوي وتبعه على ذلك غالب رموز وكوادر الجماعة في دول الخليج، وهم واصلوا الهجوم وكالوا الشتائم وأمعنوا في السباب رغبةً في التأثير على القرار الإماراتي، ولكن ما حدث هو العكس تماماً. وقد كانت الجماعة تخشى أن ينتقل الوعي الإماراتي لبقية الدول العربية، وكانت تسعى لتشويهه ما استطاعت، ولكن الذي جرى أكد على صوابية وتفرد ذلك الوعي وانتشاره في مصر بلد المنشأ، وفي السعودية البلد العربي الأكبر، وها هو يصل إلى موريتانيا والمرجح أن ينتقل لغير هذه الدول في المرحلة المقبلة. دولة قطر دولة خليجية شقيقة، ولكن مراهنتها على جماعة «الإخوان المسلمين»، أثرت على علاقاتها بكافة دول المجلس وتحديداً بالإمارات، فطالما كانت الدوحة منطلقاً للتهجم على الإمارات وقياداتها السياسية كما كان يصنع القرضاوي مراراً وتكراراً ومثله بقايا «الإخوان» الذين تفخر قطر بتجميعهم ورعايتهم، وهم لم يكتفوا بالتهجم، فحسب، بل انتقلوا للتخطيط العملي عبر ما كان يعرف بـ«أكاديمية التغيير»، التي كانت تدرّب بعض أبناء دول الخليج على كيفية نشر الفوضى وتهييج الشعوب ضد دولها، وهم وإنْ خابوا في الأمرين إلا أن هذا الأمر غير مقبولٍ في التعامل بين الدول فضلاً عن دولٍ شقيقةٍ. لقد أظهرت الإمارات صبراً وحكمةً في مواجهة ذلك الخطر، وكانت تصريحات القيادات السياسية غايةً في الحلم ومن آخرها تصريحات الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي، التي حاول فيها رأب الصدع ودعم القيادة الجديدة في قطر على تغيير ذلك النهج، ولكن القيادة القطرية أصرت على مواصلته، وهو الأمر الذي دفع ثلاث دولٍ خليجيةٍ مجتمعةً هي السعودية والإمارات والبحرين إلى سحب السفراء من الدوحة رغبةً في تنبيهها إلى ضرورة مراجعة ذلك النهج وفهم حجم الضرر الذي يلحقه بالمصالح العليا لدول الخليج والدول العربية، والأمل معقود على أن تتراجع فعلياً وتظهر قراراتٍ تؤكد على ذلك التراجع. بلغ تهجم بعض كوادر «الإخوان المسلمين» في بعض دول الخليج مستوى غير مسبوقٍ من الفجاجة والإساءة، وهم اليوم بعد الموقف السعودي التاريخي الذي يجرّم بصراحةٍ التطاول على قيادات الدول الأخرى سيرجعون إلى جحورهم وسيكسرون أقلامهم، ومن لم يعد لرشده سيكتم حقده، وإلا سيطاله العقاب بحكم القانون. يمكن قراءة ردود أفعال «إخوان» الخليج ضمن قراءة تاريخ الجماعة الأم وفروعها، فهم حين يتعرضون لمواجهة قويةٍ وضغطٍ من الدولة عليهم يلجأون لعدة حيلٍ أصبحت معروفةً. الأولى: اللجوء لادعاء المظلومية والاعتماد على خطاب الكربلائية المعروف. الثانية: اعتماد خطاب التحذير من الفتنة، واعتبار أي قرارٍ يكشف عوارهم ويضرّ بمصالحهم ويستهدف جماعاتهم داخلاً في مفهوم «الفتنة» الديني، وهو اعتماد يوضح محاولاتهم الدائمة لتوظيف الدين لخدمة أهدافهم السياسية. الثالثة: ترويج التحذير من «التصنيف» وهو مفهومٌ عائمٌ يسعون من خلاله إلى تشتيت المتلقي عن أي موقفٍ علميٍ أو سياسيٍ يحاسب الجماعة ورموزها على المواقف والتصريحات. وهم قد جرّبوه من قبل في النصف الأول من التسعينيات وبعد حرب الخليج الثانية لمواجهة خطاب السلفية التي تسمى بـ«الجامية» في رصد مواقف وتصريحات رموزهم المعادية للدولة السعودية حينذاك. أمرٌ آخرٌ أغاظ ولم يزل يغيظ جماعة «الإخوان المسلمين»، ألا وهو النموذج الحضاري المتقدّم والنجاح التنموي المبهر الذي تقدّمه الإمارات، والذي أثبت بما لا يدع مجالاً للشك فشل النموذج «الإخواني» الذي حاولوا تقديمه في مصر وقبلها في السودان وفي غزة. حاول «الإخوان» على طول تاريخهم إثبات أنهم يمثلون الإسلام، وأن من يواجههم أو يرفض أيديولوجيتهم إنما يرفض الإسلام نفسه، وهم قد نجحوا في شيءٍ من ذلك من خلال صياغة خطابٍ دينيٍ تغلغل في العديد من أذهان الشعوب العربية والإسلامية، ولكنهم أثناء لهاثهم خلف السلطة، فقدوا كثيراً من البريق الذي صنعوه لتلك الفكرة وأصبح الناس يعرفون جيداً أن الإسلام شيءٌ وجماعة «الإخوان المسلمين» شيءٌ مختلفٌ تماماً. انطلاقاً من الفكرة السابقة، فقد حاولوا تصوير معركتهم مع الإمارات على أنها حرب بين الإمارات والإسلام، وقد فشلوا في ذلك فشلاً ذريعاً، فلم تزل الإمارات تقدم نموذجاً لخطابٍ دينيٍ متسامحٍ وترعى الفقهاء وتستقبل الرموز الدينية والفقهية من كافة بلاد العالم الإسلامي. تستقبل الإمارات اليوم وغداً 9-10 مارس مئتين وخمسين فقيهاً ومفكراً دينياً تحت رعاية سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية، في منتدى عالميٍ تحت عنوانٍ عريضٍ «تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة»، ويهدف المنتدى إلى «إيضاح حقائق مهمةٍ بأن الأيديولوجيات المتطرفة أشعلت الصراع الطائفي، وتسببت في تصاعد الإرهاب والتحريض المتزايد على العنف، كما تسببت في استقطاب العالم الإسلامي، وزعزعت الاستقرار فيه وشوّهت صورة الإسلام». أخيراً، فإنه حين تستمر الإمارات في بناء نموذجها الحضاري والتنموي الناجح والمتسامح تقع جماعة «الإخوان» تحت حصارٍ إقليميٍ وتنتقل من فشلٍ إلى فشل.