التجنيد ونزعة الولاء!
لأول مرة منذ قيام دولة إسرائيل عام 1948، تخرج مظاهرة حاشدة تتجاوز مئات الآلاف بشوارع القدس الغربية، تنديداً بالقرار الذي كانت تعتزم حكومة نتنياهو تطبيقه على اليهود المتعصبين دينيّاً والمعروفون باسم (الحريديم)، وفيه تُلزم هذه الفئة بالخدمة الإجباريّة في الجيش الإسرائيلي، وأن من سيتخلّف عن أدائها سيتم تطبيق عقوبة السجن عليه.
تجنيد طلاّب المعاهد الدينيّة قُوبل بالرفض الشديد من قبل الحاخامات، لأنهم أصلاً لا يعترفون بدولة إسرائيل. كما يرون بأن تجنيد شباب هذه الطائفة وانخراطهم داخل الجيش، سيؤدي إلى إفساد شبابها وخروجها عن تعاليم التوراة. بجانب أنهم يعتقدون بأن هذه الجماعة أختارها الله لتُمثّل جيش التوراة. ولهذه الأسباب حرصت إسرائيل في الماضي، على عدم تجنيدهم كي يتمكّن أفرادها من متابعة دراستهم الدينيّة.
صحيفة «معاريف» الإسرائيليّة، كتبت على صفحاتها الأولى أن الحاخام الأكبر بإسرائيل، هدد في حال أجاز الكنيست هذا القرار، بأن آلاف الأسر اليهوديّة المتدينة ستتخذ قراراً جماعيّاً بالهجرة خارج إسرائيل. مؤكداً أن الحاخام الأكبر بالولايات المتحدة الأميركيّة قد أبدى ترحيباً باستقبالها في حال عزمت على الرحيل.
ذكرت صحيفة «يديعوت أحرونوت»، أن حكومة نتنياهو تراجعت عن قرارها، بعد تهديد الأحزاب المتشددة بالاستقالة. لكنني أرى من وجهة نظري، أن هاجس الخوف من فقدان توازن التركيبة الديمغرافيّة داخل إسرائيل في حال هاجرت آلاف الأسر المتدينة للخارج، هي التي دفعت حكومة نتنياهو لإلغاء هذا القانون.
لن أقف طويلاً عند تجنيد الجماعة المتشددة في إسرائيل، بالرغم من الأخبار التي تمَّ تداولها عن إمكانية أن يشمل قرار التجنيد عرب 48، لأنَّ من المعروف أن نتنياهو والكثير من الإسرائيليين، ينظرون لعرب 48 على أنهم مشكوك في ولائهم لدولة إسرائيل، ولديهم قناعة ثابتة أن نظرة العرب لجيشهم على أنه جيش محتل لم تغب عن ذاكرة الكثيرين منهم!
لقد أردتُ من خلال هذه المقدمة، إلقاء الضوء أولاً على فكرة التجنيد الإجباري للشباب الخليجي تحديداً. وثانياً، الإشادة بالقرار الذي أقرّه مؤخراً مجلس الوزراء الإماراتي، بجعل الخدمة العسكريّة إجباريّة للذكور، واختياريّة للإناث، على أن تكون مدة التدريب تسعة أشهر لحاملي شهادة الثانويّة فما فوق، وسنتين لمن يحمل شهاد أقل. وهو يدل على ثقة النظام الحاكم في أبنائه، وتعزيز دور الشباب لحماية وطنهم.
هناك أصوات أخذت تُغرّد في صفحاتها، تحث الحكومة السعودية على تطبيق هذا القرار حتّى «يتخوشن» الشباب السعودي بعد أن استحلوا حياة الترف! والحقيقة أنني أرفض تبرير هذا المنطق! فمع ارتفاع نسب البطالة داخل السعودية، وتقلّص الفرص الوظيفيّة أمام الشباب، وقلة الأجور المدفوعة، وارتفاع مستوى المعيشة، والتصاعد الجنوني لأسعار إيجارات الشقق السكنيّة، كل هذه العوامل ساهمت في انحسار الطبقة الوسطى، وبالتالي تغيّرت شخصية الشاب السعودي عن ذلك الذي كان منذ عقدين مضيا! وغدا أكثر وعياً في متابعة الأوضاع الجارية بالعالم، وساهم الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي في تعميق نظرته.
عندما وقعت منذ سنوات قليلة، كارثة السيول بجدة، أو كما أُطلق عليها (الأربعاء الأسود)، بهرني شباب جدة بمواقفهم النبيلة والشجاعة. كوّنوا حلقات تطوعيّة لإنقاذ مئات الأسر التي غرقت بيوتها، وضاعت مقتنياتها، والتي راح ضحيتها العشرات! حثّوا الناس حينها على التبرّع، وكانوا يُوصلون التبرعات بأنفسهم لكل أسرة منكوبة. هذه الواقعة تُعتبر نموذجاً بسيطاً لمواقف أخرى بطوليّة يقوم بها يوميّاً شبابنا السعودي.
اليوم حان الوقت لفتح الباب أمام هؤلاء الشباب، كي يتحمّلوا مسؤولية أوطانهم، ويُشاركوا في حمايته من العيون التي تتربّص به. الشباب هم حرز المستقبل، بدونهم تُصبح الأوطان مترهلة، بلا أقفال تحرس أبوابها المتصدعة!