ينبغي الاعتراف بأن العرب والمسلمين أخفقوا في حماية القدس والمسجد الأقصى من الممارسات التي تقترفها إسرائيل والتي تهدد المنطقة بحروب قد تطال الجميع ولا أحد يعرف كيف ستنتهي بعد ذلك. كما ينبغي الاعتراف بأن الجهود التفاوضية التي بذلت، لم تعد بأي فائدة تذكر للشعب الفلسطيني ومقدساته، لاسيما بعد الاقتحام الأخير للمسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين. إن الخطأ التاريخي الذي وقع فيه الفلسطينيون أنهم تفاوضوا مع إسرائيل من منطلق السلام والنوايا الحسنة، متناسين أن العقلية الصهيونية لا تتعامل بمثل هذا المنطق بل بلغة القوة والحيلة والخداع. فمنذ بدايات اتفاقية أوسلو وما أعقبها من إعلانات ومبادرات واتفاقات، كان ذلك هو النهج الثابت في السلوك الإسرائيلي، وذلك ما يؤكده قيام الكنيست الإسرائيلي مؤخراً بطرح مسألة السيادة على المسجد الأقصى للمناقشة. ورغم تأجيل هذه المناقشة، فقد أوضح الكاتب الإسرائيلي «أرنون سيغال» في مقاله «لنقم الصلاة في الحرم»، والمنشور في صحيفة «معاريف» (25-2-2014)، أن التأجيل مؤقت وأن النقاش الذي جرى في الكنيست هو نقاش أولي، أي أنه بالون اختبار لمعرفة ردة فعل العرب على ما حدث. ثم يقول الكاتب: «عدنا إلى أقدس أماكننا كي لا ننفصل عنها إلى أبد الآبدين». وتتجه إسرائيل حالياً إلى تكريس احتلالها للقدس والمسجد الأقصى، بعد أن عملت على تغيير الطابع السكاني للمدينة المقدسة. بل لديها خطة لإدراج المسجد الأقصى ضمن قائمة التراث اليهودي، وخطط أخرى لتغيير البنية السكانية في أغوار نهر الأردن. وقادة إسرائيل يصرحون ليل نهار بذلك، وكذلك كتابها ومفكروها يكتبون عن هذا الموضوع في الصحافة الإسرائيلية، وهذه عينة من عناوين ما ينشر: «امنعوا المسلمين من الصلاة في المسجد الأقصى»، «القدس الموحدة عاصمة إسرائيل الأبدية»، «تسليم الحرم للأوقاف يحرمنا من السيطرة عليه»، «الحديقة الأثرية للقدس في قبضة جمعية إسرائيلية»، «لا تمنحوا الفلسطينيين دولة بل اعطوهم الحكم الذاتي». إن أركان الاستيطان الصهيوني في فلسطين، وكما تدل تلك العينة من العناوين والتصريحات، يدركون تماماً طبيعة علاقة الشعب الفلسطيني، ومن ورائه الأمة العربية والإسلامية، بأرضه ومقدساته الروحية. واستناداً إلى ذلك فقد خططوا لمشاريع تصادر الأرض وتحتلها تباعاً، وفي الوقت نفسه إشغال الظهير العربي والإسلامي للفلسطينيين بإحداث فوضى في المنطقة.. وهذا ما يفعلونه في عدة بلدان عربية الآن، وعلى وجه الخصوص في ليبيا وسوريا واليمن والعراق.. والهدف هو إعادة تركيب المنطقة من جديد بعد تفتيتها، بحيث يخضع الجميع للسير في فلك الصهيونية العالمية. ووفقاً للكاتب الإسرائيلي «غي بخور» في مقاله «اللاسامية خلف العرض الإسباني»، المنشور في صحيفة «يديعوت أحرونوت» الصادرة يوم العشرين من شهر فبراير المنصرم، فإن اليهود «أقوياء ويسيطرون على العالم وعلى الاقتصاد العالمي»، وهم بذلك يرون في المنطقة العربية ميدانهم لنقل الاضطرابات والفوضى واستخدامها بدعم من القوى الكبرى كغطاء لإخفاء حقيقة مشاريعهم في فلسطين.