نهج متميز في رعاية حقوق العمال
تتبنى دولة الإمارات العربية المتحدة نهجاً متميزاً في مجال رعاية حقوق العمال، وحمايتهم، ليس لأنها توفر الإطار التشريعي والقانوني الذي يضمن هذه الحقوق فقط، وإنما لأنها تحرص باستمرار على الارتقاء بهذه الحقوق أيضاً، كي تواكب كل جديد في بيئة العمل الدولية. ولعل تجربة «المدن العمالية» التي شرعت الدولة في إنشائها والتوسع فيها تجسد بوضوح هذا النهج في ضمان حقوق العمال، ليس لأنها تقدم أوجه الرعاية المختلفة لهم، صحياً ونفسياً وترفيهياً فقط، وإنما لأنها أسهمت في حل مشكلة السكن لقطاع عريض من العمال وبأسعار مناسبة أيضاً، ويكفي الإشارة في هذا السياق إلى أن أسعار السكن بالمدن العمالية تتراوح الآن بين 600 و850 درهماً للعامل شهرياً، مقابل أكثر من ألف درهم قبل نحو 4 سنوات.
لقد توسعت أبوظبي ودولة الإمارات العربية المتحدة بوجه عام خلال السنوات الماضية في إنشاء المدن العمالية، حيث وصل عدد المدن العمالية المنجزة في أبوظبي وحدها 26 مدينة من إجمالي 30، يسكنها 450 ألف عامل بنسبة إشغال قدرها 70 في المئة، وتتوزع في المفرق وحميم والعين والرويس وجزيرة السعديات والمصفح، فيما تقدر قيمة الاستثمارات التي تم ضخها في المدن العمالية بنحو 12 مليار درهم، حيث توفر المؤسسة العليا للمناطق الاقتصادية المتخصصة الأراضي للمستثمرين الذين يقومون بدورهم بتنفيذ المدن ثم إدارتها، تحت إشراف المؤسسة، وتلتزم الجهات الحكومية بإنجاز البنية التحتية من طرق وكهرباء ومياه وصرف صحي في جميع مواقع هذه المدن، فيما يقوم المستثمرون بإنجاز البنية التحتية الداخلية بمواقع المدن.
إذا كانت المدن العمالية تضمن للعمال المقيمين سكناً عصرياً يتناسب مع المعايير العالمية، فإن هناك خطوات وإجراءات أخرى عديدة اتخذتها الحكومة خلال السنوات الماضية للحفاظ على حقوق العمال، من أبرزها «نظام حماية الأجور» الذي تطبقه وزارة العمل، ويلزم صاحب العمل بتحويل راتب العمال لديه شهرياً إلى البنوك، ومن ثم يمكن التأكد من التزامه دفع هذه الرواتب في مواعيدها، وعدم تأخيرها أو المماطلة في تسديدها لأصحابها في الوقت المحدد لذلك، والحق في الرعاية الصحية، حيث تشترط وزارة العمل على أصحاب المنشآت المختلفة الالتزام بتطبيق نظام التأمين الصحي لجميع فئات العمال، وذلك لعلاجهم وتقديم الخدمات الصحية والطبية لهم كباقي فئات المجتمع من دون أي تمييز، وقرار وزارة العمل الخاص بحظر تأدية الأعمال تحت أشعة الشمس وفي الأماكن المكشوفة من منتصف يونيو حتى منتصف سبتمبر من كل عام، وفرض عقوبات صارمة على أصحاب الأعمال والشركات التي تخالف تطبيق هذا القرار، تتراوح بين الغرامات المالية، وحجب تصاريح العمل.
لهذا كله، فإن النهج الإماراتي المتميز في مجال رعاية حقوق العمال أصبح يمثل تجربة مهمة وثرية، تسعى كثير من الدول والمنظمات إلى الاستفادة منها، وتكفي الإشارة هنا إلى أن منظمة العمل الدولية أشادت بـ«نظام حماية الأجور»، واعتبرت أنه يشكل آلية مبتكرة تعمل على حفظ مستحقات العمالة، ولهذا بحثت فرص الاستفادة منه وتطبيقه وتعميمه على المستوى الدولي، كما أشادت منظمة العمل العربية بهذا النظام أيضاً، فيما أبدت العديد من الدول العربية رغبتها في التعرف إلى آلية عمل هذا النظام وإمكانية تطبيقه لديها، وهذا كله إنما يفسر لماذا أصبحت الإمارات من أكثر دول العالم جاذبية للعمالة الأجنبية من مختلف دول العالم.