يصعب على غير الخبير في موائد شبه القارة الهندية التفريق بين خبز «البراتا» الهندي ونظيره «الباكستاني»، أو بين «السمبوسة» الهندية وأختها الباكستانية، ولن ترفض «اليونيسكو» طلب الهند أو باكستان لتسجيل «الساري» كركيزة من ركائز الموروث الهندي أو الباكستاني. ولم ترتدِ المرأة الأصفهانية يوماً البرقع الذي نعرفه في الإمارات، ومع هذا يجب ألا تأخذنا الدهشة لو وجدناه معروضاً في متحف في أصفهان. فرغم أن البرقع كان عنصراً رئيسياً في الزي الإماراتي، ولا يزال حاضراً لدى بعض العائلات، فإن برقعاً مشابهاً كان يستخدم في جنوب شرق إيران حيث كانت تعيش القبائل العربية. وما دامت تلك المناطق -القريبة جداً من الحدود الإماراتية- تقع الآن ضمن حدود إيران، فتصّور أن نجد البرقع معروضاً في متحف في طهران تصوّرٌ معقول، رغم أن البرقع لم يكن يستخدم إلا على نطاق ضيق هناك. والمعنى أن التراث قد يكون مشتركاً في بعض رموزه بين بلدين متقاربين جغرافياً، ومن باب أولى أن تتوسع المساحة التراثية المشتركة بين الدول المتقاربة جغرافياً وعرقياً ولغوياً ودينياً. وكانت «السمات المشتركة» بين الدول الأعضاء إحدى مقومات قيام مجلس التعاون لدول الخليج العربية، والسمات هي العلامات التي تميز الشخص عن غيره، فإذا كانت السمات مشتركة بين شخصين، فهذا يعني صعوبة التفريق بينهما. والسمات المشتركة بين دول الخليج كثيرة، منها الفنون الاستعراضية والعادات والطقوس والمناسبات الاحتفالية والصناعات الحرفية والأزياء والأسلحة والأدوات والمقتنيات والألعاب وغيرها. وكلما كانت دولتان أقرب من بعضهما جغرافياً، كانت السمات أكثر والتفريق أصعب. ورغم كل هذه البديهيات، نرى بعض الجهلاء يرمون الاتهامات الباطلة عن الاعتداء على موروث هذه الدولة أو تلك؛ كلما أدخلت إحدى دول المنطقة فناً استعراضياً في احتفالاتها باعتباره أحد أشكال التعبير الحية الموروثة، أو استخدمت أسلحة تقليدية في الترويج السياحي لبلادها، أو سعت لتسجيل حرفة من حرفها الشعبية في قائمة التراث الإنساني العالمي لدى «اليونيسكو». ولا يعلم هؤلاء أن بعض دولتين خليجيتين تقدمتا إلى «اليونيسكو» بملف مشترك لتسجيل بعض «تراثهما» الإنساني غير المادي، كما فعلت سلطنة عُمان ودولة الإمارات في ملف «التغرودة». ويتجاهلون حقيقة أن هناك قبائل يتوزّع أفرادها بين أكثر من دولة، ومن البديهي أن يكون موروثها واحداً. ولا يعلمون أنه بخلاف الحدود المشتركة، والمناطق التي تتبع أكثر من دولة، هناك أجزاء من دول تقع ضمن دول أخرى، كولاية مدحاء العمانية المحاطة بالكامل بأراضي تابعة لدولة الإمارات، وفي داخل هذه الولاية هناك قرية إماراتية تسمى «النحوة»، وكل تراث أهل هذه المناطق هو تراث مشترك بين عُمان والإمارات. وتعد مصارعة الثيران مثلاً من الرياضات المتوارثة منذ القدم لمحافظة الباطنة العمانية، وكذلك لإمارة الفجيرة، والمسافة بين المحافظة والإمارة كيلو مترات معدودة، لكن هذه اللعبة ليست جزءاً من الرياضات الموروثة لإمارة أبوظبي البعيدة نسبياً عن الفجيرة، وليست رياضة موروثة لمحافظة ظفار البعيدة عن الباطنة. ورغم أن هذه الرياضة تمارس في أجزاء محدودة من البلدين، فإنها تبقى من الرياضات المتوارثة لسلطنة عُمان ولدولة الإمارات. للجغرافيا أحكامها التي لا يعرفها الجاهلون بالتاريخ والجغرافيا معاً.