مكتبة أوباما... مجد سياسي أم تقليد رئاسي؟
رغم السنوات الثلاث المتبقية في عمر الولاية الحالية للرئيس أوباما، فإن خطط إقامة مكتبة خاصة به تجري على قدم وساق، فقد أُعلن في 31 يناير المنصرم عن تشكيل مؤسسة أوباما المكلفة الإشراف على بناء المكتبة واختيار الأسلوب المعماري المناسب الذي ستتخذه في النهاية، ثم هناك المدينة الأميركية التي ستحتضن المكتبة والاختيارات المتعددة في هذا المجال بين شيكاغو التي صنع فيها أوباما مجده السياسي وبدأ فيها مسيرته نحو الرئاسة، أو مدينة هونولولو بهاواي، حيث أبصر النور، وربما أيضاً، وهو الاحتمال المرجح، نيويورك باعتبارها المدينة التي استكمل فيها أوباما دراسته الجامعية، وأعلن أنه يريد أن يستقر فيها بعد مغادرة البيت الأبيض، وبالنسبة لمن سيتولى بناء المكتبة، تروج تكهنات في الأوساط الإعلامية أن الأمر سيؤول إلى المعماري البريطاني «ديفيد أدجاي» الذي يعمل حالياً على إعداد التصميم المعماري للمتحف الوطني للتاريخ والثقافة الأفرو-أميركية في واشنطن، لكن الأسئلة حول المدينة التي ستستضيف مكتبة أوباما بعد تركه لمنصبه، أو المعماري الذي سيشرف على وضع الخطط، ليست بأهمية السؤال الجوهري نفسها حول الأسلوب الذي سيتبعه الرئيس، وما إذا كان اختياره سيميل إلى المباني الكبيرة والأشكال المعمارية المعقدة، أم أنه سيفضل البساطة والابتعاد عن الفخامة والاستعراض.
فالمكتبة الرئاسية، وكما درجت العادة، هي عبارة عن مجتمع يضم أرشيف الرئيس ومتحفاً لآثاره، ثم مكتبة.
فالأرشيف يحافظ على الوثائق الرئاسية التي أصبحت ملكاً للعموم ومفتوحة أمام الباحثين والدارسين، لكن المتحف يضم المقتنيات الشخصية للرئيس مثل الإنجيل الذي أقسم عليه هاري ترومان لدى تنصيبه رئيساً، أو الأريكة الكبيرة التي كان يستلقي عليها «ليندون جونسون» للاسترخاء، أو الجوائر التي حازها «جيرالد فورد» في المسابقات الرياضية، هذا في الوقت الذي يضم فيه متحفا «إيزنهاور ونيكسون» مجسمات للمنازل التي أقاما فيها الرئيسان، ويبقى متحف ريجان الأكبر لأنه يضم طائرة حربية، وبسبب التطور التكنولوجي، أصبح أرشيف الرؤساء أكبر لما يضمه من وثائق ورقية، وأخرى إلكترونية مثل البريد الخاص بالرئيس والكتب، وغيرها من الأوراق، وأشرطة الفيديو، وحتى المتاحف التي يفترض أن تكون على المقاس والحجم نفسهما بدأت تتفاوت من رئيس لآخر، حيث تتسع أروقة مكتبة ريجان ليتجاوز حجمها بأربع مرات مكتبة «إيزنهاور»، رغم أن الرئيسين معاً شغلا منصبيهما لولايتين؛ لذا عادة ما يجد المعماريون أنفسهم في حيرة من أمرهم بين التزام البساطة، أو بناء هياكل لمكتبات رئاسية ضخمة واستعراضية.
وإذا استقر الرأي على مكتبة بمواصفات خاصة، فيكف يكون ذلك؟ فمثلاً بنى المعماري «إي. إم. باي» مكتبة كينيدي على طريقة السماء المفتوحة ليدخل نور السماء، ويضيء أروقة المكتبة، لكن الأمر بدا طاغياً على البناء لدرجة أنه خصم من جمالها، أما المعماري «جوردون بانشافت»، فقد كان هاجسه الأول الحفاظ على وثائق الرئيس جونسون وصيانتها من التلف في حالة غمرتها مياه الفيضان، ما دفعه لحفر قبو أسفل المكتبة ليضم تلك الوثائق، وفيما يتعلق بمكتبة كلينتون، فقد صمم «جيمس ستيوارت» ما يشبه صندوقاً كبيراً من الزجاج والفولاذ لتعبر المكتبة عن نفسها أكثر من رئاسة كلينتون.
ويرجع أول مكتبة في تاريخ الرئاسة الأميركية إلى روزفلت الذي قرر بناء مكان يحفظ أوراقه بين 1939 و1940، ولم يكن في السابق معروفاً على الرؤساء بناء المكتبات، حيث كانوا يحتفظون بمقتنياتهم في بيوتهم الخاصة لتظل بمنأى عن جمهور المهتمين، وقد اختار الرئيس «روزفلت» تسمية المكان بالمكتبة، لأنها من جهة أقل من الأرشيف، لكنها من جهة أخرى أكثر من مجرد مكان لحفظ الوثائق، بل فضاء عام يضم كتباً قديمة ونادرة ومعروضات أخرى مثل مجسمات للسفن وغيرها من الأمور التي تدخل في إطار اهتمامات الرئيس. ولأن «روزفلت» نفسه كان معمارياً هاوياً، فقد أسهم في تصميم مكتبته واختار موضوع الكلاسيكية لتصاغ على أساسه المكتبة، لكن الرئيس أدرك بأن بناء المكتبة وكأنها من المآثر التاريخية الكبيرة قد يقلص من إشعاعها، ويأتي بنتائج عكسية، ربما تشير عن دون قصد إلى إبراز عظمة الرئيس، في حين كان المقصود هو إعداد مكان يطلع من خلاله الجمهور على أهم ملامح شخصية «روزفلت» وتخلد اسمه كرئيس وليس كإمبراطور.
وفيما ظلت مكتبة «روزفلت» بعيدة عن إسهاماته الكبرى في التاريخ الأميركي مثل إقراره للخطة الجديدة التي غيرت الكثير من ملامح الحياة الاجتماعية في أميركا، يريد الرؤساء المعاصرون تلافي هذا الخطأ من خلال تعداد أهم إنجازاتهم وضمها إلى المكتبات، والحال أنه من الصعب على مكان واحد تجسيد كل التفاصيل المتعلقة بالرئاسة، ذلك أن الإنجازات التي يسعى الرؤساء عموماً لتخليدها لا تكمن في مصدر واحد مثل الوثائق الخاصة والكتب، والسير الذاتية، بل أيضاً في مصادر أخرى تمتد إلى البرامج التلفزيونية والأفلام الوثائقية، والمقالات الصحفية واستطلاعات الرأي والتحليلات، وغيرها مما يتعذر اختزاله في مكان واحد مهما كان كبيراً.
هذا الأمر دفع أوباما، حسب بعض التقارير، إلى التفكير بداية في عدم إقامة مكتبة والتحرر من هذه العادة، وذلك بالرجوع إلى تقليد أقدم يتمثل في تسليم الوثائق الخاصة والمقتنيات إلى مكتبة الكونجرس، وفي جميع الأحوال يتعين على أوباما الابتعاد عن المظاهر والمجسمات الكبيرة والفخمة كأسلوب لرواية قصة حياته مادام أنه قام بذلك فعلاً من خلال سيرته الذاتية التي تناولت تفاصيل مشواره في الحياة والسياسة.
------
ويتولد ريبجينسكي
أستاذ التخطيط المعماري بجامعة بنسلفانيا
------
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»