أصوات الإنترنت
في الخامس والعشرين من يناير الماضي، تقاطر آلاف المصريين على ميدان التحرير في القاهرة للاحتفال بالذكرى الثالثة لسقوط مبارك، الذي ظل رئيساً على البلاد طيلة 30 عاماً. كانت الأجواء احتفالية وتخللتها عروض موسيقية، واستمر الاحتفال حتى ساعة متأخرة من الليل. غير أنه قبل ذلك بثلاث سنوات، كان على حشد آخر أن يخترق الحواجز الأمنية للوصول إلى الميدان. وكانت احتجاجاتهم التي نُظمت من خلال الـ«فيسبوك» و«تويتر»، هي التي ساهمت بشكل كبير في إسقاط النظام. وفي هذا السياق، تكتب إيميلي باركر، مستشارة الدبلوماسية الرقمية بمؤسسة «نيو أميركا فاونديشن» في واشنطن، والتي تنظر إلى مصر باعتبارها نموذجاً لقوة الإنترنت: «في بلد حيث يحتاج المرء لترخيص من أجل تجمع أكثر من خمسة أشخاص، كان عشرات الآلاف من الأفراد ينظمون أنفسهم وينسقون في ما بينهم عبر الإنترنت».
«الآن بتُّ أعرف من هم رفاقي... أصوات الإنترنت» أول كتاب للصحفية الأميركية باركر، التي استفادت من تجربتها كمراسلة في الصين، ثم كمسؤولة في وزارة الخارجية الأميركية تحت هيلاري كلينتون، لتشرح كيف منحت الإنترنت قوة أكبر للأفراد عبر العالم. إذ بدونها، يصبح المواطنون في البلدان السلطوية مشلولين بسبب العزلة والخوف وفقدان الاهتمام الذي يأتي من الإحساس بالعجز عن إحداث التغيير. وفي كتابها هذا تربط باركر الصين بمشاعر العزلة، وروسيا بالخوف، وكوبا باللامبالاة؛ غير أنها لا تشرح العلاقة بين الحالات الثلاث، كما لا توضح لماذا يفترض بأي من هذه البلدان أن تعاني من إحدى الآفات الثلاث وليس كلها.
وعن تعاظم دور الإنترنت وتحوله إلى أداة فعالة لإحداث التغيير، تشير المؤلفة إلى أن طلبة جامعيين في الصين استعملوا الشبكة العنكبوتية لإنقاذ حياة شخص من محاولة قتل. وفي الجانب الآخر من العالم، حاولت السلطات في كوبا عبثاً إسكات ناشطة على الإنترنت عبر زرع بذور الشك وعدم الثقة في زواجها، بينما صعد مدوِّن إلكتروني إلى الواجهة في روسيا ليصبح أحد أهم وجوه المعارضة منذ سقوط الاتحاد السوفييتي. فالحكومات السلطوية تحاول عزل الأفراد بعضهم عن بعض، تقول باركر، غير أنه في عصر وسائل التواصل الاجتماعي بات ذلك ضرباً من المستحيل. فعبر الإنترنت، يكتشف الناس أنهم ليسوا وحيدين. وكما يقول أحد المدونين فـ«الآن بتُّ أعرف من هم رفاقي».
إنها ظاهرة جديدة أحدثت تحولا سياسياً هاماً في أكثر من بلد. وقد لعبت الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، دوراً محورياً في «الربيع العربي»، ومنه ثورة 25 يناير حيث استطاع مصريون عاديون، لم يكن معظمهم يحمل شيئاً غير هواتفهم النقالة، إسقاط ثلاثين عاماً من الحكم الديكتاتوري. وكانت تلك لحظة استثنائية في التاريخ الحديث.
لكن الكتاب يأخذنا إلى أبعد من الشرق الأوسط؛ ففي الصين، تبحث باركر كيف يستعمل الناس الشبكة العنكبوتية، وتتعقب مدونيين إلكترونيين وتحكي قصص الفضائح والانتصارات والسجالات التي تتخذ من الإنترنت ساحة لها. كما تلفت إلى الطريقة التي يلتف بها المدونون الإلكترونيون على آليات الرقابة الرسمية المتطورة. وفي كوبا، حيث نادراً ما يصل السكان المحليون إلى الإنترنت، تتحاور مع مدونين يكتبون لجمهور خارجي في المقام الأول. وفي روسيا، تنسج المؤلفة علاقة صداقة مع أليكسي نافالني، الذي بات الآن مدوناً مشهوراً تحدوه طموحات سياسية. غير أنه في الصين تحديداً تقوم المؤلفة بتفكيك العلاقة بين الرقابة والرقابة الذاتية والسلطات الخفية للدولة. أما في كوبا، فهي مجرد سائحة تزور البلاد بين الفينة والأخرى. لكنها عندما تنتقل إلى روسيا، تصبح شخصيتها هي الطاغية على السرد حيث كتبت تقول: «إن وظيفتي في وزارة الخارجية الأميركية شكلت نوعاً من العبء بالنسبة لي»، لدى شرحها ظروف وكيفية تنظيمها دورة ترميز للمبرمِجين الأميركيين والروس.
كما يعرِّفنا الكتاب على جيش من المدوِّنين والمغرِّدين -البارزين منهم والمغمورين- الذين يلجأون إلى الكتابة بشكل مشفر للتحايل على الرقيب، ويطلقون حملات تضامنية على الإنترنت من أجل الإفراج عن أصدقاء في السجن، ويرفضون الترهيب من خلال كاميرات المراقبة أو الوشاة والمخبرين. ورغم أنهم يمشون في ما يشبه حقل ألغام، إلا أنهم يشعرون بأنهم أحرار. وهذا الكتاب يحكي قصتهم.
محمد وقيف
الكتاب: الآن بتُّ أعرف من هم رفاقي... أصوات الإنترنت
المؤلفة: إيميلي باركر
الناشر: سارة كريشتون بوكس
تاريخ النشر: 2014