هناك ثلاث حالات غريبة ولكنها مثيرة للفخر والغضب والانحياز في الهند المعاصرة في مختلف مستويات الدولة والمجتمع. وبالنسبة لبعض الهنود، قد تمثل هذه الحالات قوة ومجد الوطن الأم، وبالنسبة للبعض الآخر قد تشير هذه الحالات إلى وجود ثقافة جديدة متنامية ومعادية لليبرالية والتسامح. الحالة الأولى: يعتبر ديفيد بارساميان باحثاً ومذيعاً معروفاً وهو هندي من أصل أميركي، وكان في كثير من الأحيان يتحدث عن فضائل ومزايا الهند للعالم، ولكنه كان أيضاً ينتقد الشعب الهندي أحياناً. وفي 23 سبتمبر، 2011، وصل بارساميان إلى نيودلهي، ولكن تم ترحيله على الفور من قبل سلطات الهجرة التي حظرت دخوله إلى البلاد دون أي سبب رسمي. ولم تلق الخطابات التي بعث بها بارساميان إلى الحكومة والسفارات الهندية وكذلك العريضة الموقعة من مجموعة من المثقفين الهنود أي رد. وكان من الواضح أنه لم يكن مرحباً به مرة أخرى في البلاد، وأن الحكومة تريد أن تخبره بأنه لا يتوقع أن ينتقد الدولة ويسمح له في الوقت نفسه بالدخول إليها. وقد قال المذيع في مقابلة أجريت معه: «أتمنى أن تعيد الحكومة الهندية، بأساليبها البيزنطية الغامضة، النظر في الحظر الذي فرضته عليّ. إنني لا أكاد أشكل خطراً على الاتحاد الهندي». الحالة الثانية: ظلت الباحثة الأميركية ويندي دونيجر لفترة طويلة عرضة لهجمات عدائية من قبل الجماعات الهندوسية التي ترى أعمالها التي تدور حول الأساطير الهندوسية «مبالغاً فيها» ولا تحترم واحداً من أعظم التقاليد الدينية في العالم. وفي وقت سابق من هذا الشهر، قامت مؤسسة «بينجوين الهند»، التي تنشر مؤلفات دونيجر بسحب كتابها «الهندوس: تاريخ بديل» من الأسواق خوفاً من خوض معركة قضائية، وتوصلت المؤسسة إلى تسوية خارج نطاق المحكمة مع إحدى الجماعات الهندوسية التي استندت في القضية المرفوعة ضد الناشر والمؤلف على القسم «295 إيه» من قانون العقوبات الهندي الذي يحظر «أية أفعال متعمدة وخبيثة تؤذي المشاعر الدينية لأي طائفة». الحالة الثالثة: في سبتمبر 2011، تمت تبرئة ناريندا مودي، رئيس الوزراء المتحفز لولاية «جوجارات» الغربية (والمرشح المحتمل لتولي منصب رئيس وزراء الهند) من قبل إحدى فرق التحقيق الخاصة المكلفة بالاستقصاء عن العنف الديني الذي اجتاح الولاية في 2002، مباشرة عقب تولي مودي منصبه. وكان مودي ينفي بشدة اتهامات المنتقدين بأن له يداً مباشرة في تدبير أعمال العنف. وبات من الواضح أنه إذا أراد الآن الترشح لمنصب رئيس الوزراء في انتخابات 2014، فإن القانون لن يتمكن من الحيلولة دون نجاحه. وهذا سبب وجيه للاحتفال من وجهة نظر أنصاره، بطبيعة الحال. ولكن استجابة مودي تفوق الخيال، فقد أعد موكباً ضخماً لتهنئة نفسه! لمدة ثلاثة أيام، حيث يتوافد الساسة من حزب «بهاراتيا جاناتا» وغيرهم من الشخصيات العامة ليتغنوا بالثناء عليه بينما هو جالس بينهم كإمبراطور هندي من العصور الوسطي، ويقول إنه يعتزم الصفح عن أولئك «الذين قاموا بتشويهه وتشويه ولاية جوجارت من خلال ادعاءات كاذبة». إن هذه الحالات أو المشاهد الثلاثة قد تظهر النزعة الجامحة والمحبطة من عدم التسامح ليس فقط في الهند ولكن أيضاً لدى البشر عموماً، وميل بعض الحكومات والدول لتوسيع سلطاتها دون مبرر ما لم تواجه تمحيصاً ونقداً دقيقاً. وهذه الحوادث غير المترابطة تظهر ضغوط المرحلة في الهند، وبعض أوجه التجاذب السياسي والحقوقي بين مختلف القوى التي تعمل في مجتمع واسع ومتنوع وسريع التغير. ومع هذا فلا زالت الصحافة الحرة تعمل وتؤدي دورها في تنوير الرأي العام من خلال تداول عدد متزايد من وجهات النظر حول الدين والسياسة وغيرهما. ولكن ربما يمكن القول أيضاً إن مبدأ النظام الليبرالي نفسه ليس راسخاً بصورة جيدة أو أنه ينظر إليه باعتباره جرثومة الحرية والإبداع والثروة. وهذه الحوادث تمثل مؤشرات على تحدي الحرية الدينية والفكرية والسياسية في بلد واسع ينظر إليه، بعد مرور عقود من الاستقلال عن الحكم الاستعماري، على أنه ما زال مجتمعاً محدود الاتصال الحقيقي ببقية العالم بفعل تقاليد الاشتراكية الراسخة للحزب الحاكم. ولكن هل من الممكن أن تزداد النزعة غير المتسامحة في الهند؟ الإجابة من وجهة نظري الشخصية: نعم. وربما تصبح كذلك إذا ما حصل حزب «باهارتيا جاناتا» المعارض على ما يكفي من المقاعد ليصبح مودي رئيس وزراء الحكومة الائتلافية الجديدة. ومع هذا فإن هنالك أيضاً ميزات قد يجلبها مودي إلى السلطة، وينبغي أن تلقى الاهتمام الكافي. ومن ذلك أن لديه فكرة واضحة عن مشاكل التنمية في الهند، وخاصة أن الروتين أصبح عبئاً على اقتصاد البلاد. وقد يكون لديه أيضاً ما يقوله لتطلعات الملايين من الشباب الهندي الذي استطاع معهم أن يعزف على الوتر الحساس. فإذا ما أصبح رئيساً للوزراء، فسيكون قد تقلد أقوى منصب في البلاد، آتياً من بدايات متواضعة تقع على مسافة بعيدة من النخبة الناطقة بالإنجليزية بنيودلهي (بعكس منافسه من حزب المؤتمر وسليل الأسرة الحاكمة راهول غاندي). ولكن التصويت لتولي مودي السلطة، مع ما له من عواقب على المدى الطويل لا يمكن لأحد التنبؤ بها، قد يشكل دفعة بمعنى ما للنمو الاقتصادي و«الحكم الرشيد» ولماذا لا يكون له تأثير أيضاً على الحرية الفكرية والإجماع العلماني في دولة متعددة الأديان، ولكنها ذات أغلبية هندوسية (وإن كانت أيضاً علمانية غالباً ما توصف من قبل حزب بهاراتيا جاناتا بأنها «علمانية زائفة»). -------- تشاندراهاس تشودري روائي ومراسل بلومبيرج فيو في نيودلهي ينشر بترتيب خاص مع حدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس»