من بين الأسئلة التي تُطرح عليَّ كثيراً خلال الفترات التي تركز فيها إدارة أوباما بشكل خاص على خيار التوصل إلى حل دبلوماسي للأزمة النووية الإيرانية، السؤال الآتي: هل ما زلتَ تعتقد أن ثمة ظروفاً قد يستعمل فيها أوباما القوة العسكرية لمنع إيران من الحصول على سلاح نووي، بالنظر إلى أنه لم يفرض احترام الخط الأحمر الذي وضعه بخصوص الأسلحة الكيماوية في سوريا؟ وأنه يتوصل لأي إنجاز مهم في الشرق الأوسط إلى درجة أنه قد يكون مستعداً لعقد اتفاق سيئ مع الإيرانيين، كما أخذ يتخلى عن الحلفاء السُنة في الشرق الأوسط لصالح شيعة إيران، وأنه هو نفسه شيعي سراً، من خلال قرابة عائلية بعيدة من جهة أمه! الجواب هو: نعم، إنني ما زلتُ أعتقد أن ثمة ظروفاً قد يستعمل فيها أوباما القوة لمنع إيران من امتلاك سلاح نووي. وليس سراً أنه يفضل فعلاً حلاً دبلوماسياً لهذه المشكلة (حلاً أسهم فيه نظام عقوبات فعال صممه بمساعدة مهمة من الكونجرس). وليس سراً أيضاً أنه يعتقد أن ضربة عسكرية قد تكون لها عواقب غير مقصودة يمكن أن تؤدي إلى مضاعفة الجهود الإيرانية الرامية إلى عبور خط النهاية النووي. ولكن ثمة بكل تأكيد ظروفاً أيضاً -هناك ظرفان يقفزان إلى ذهني بشكل فوري في هذا الصدد- أعتقدُ أنه قد يستعمل فيها القوة للحيلولة دون سقوط الشرق الأوسط في دوامة مدمرة من الانتشار النووي. أولاً، إذا اكتُشف أن إيران بنت منشأة سرية للتخصيب، أو بصدد بنائها، فإن ذلك سيؤدي على الأرجح إلى رد عسكري من الولايات المتحدة. وهذا ليس سيناريو مستبعداً، ذلك أنه سبق لإيران أن بنت منشأتين نوويتين سريتين -كُشف أمرهما لاحقاً من طرف معارضين إيرانيين ومن قبل الغرب- في «نتانز» وفي «فوردو»، وهما المنشأتان اللتان أدى اكتشافهما إلى تشديد العقوبات على إيران، وإن لم يؤدِّ إلى عمل عسكري. ولكن في هذه المرحلة، خاصة في وقت وعدت فيه إيران بالتفاوض حول برنامجها النووي بحسن نية، فإن من شأن اكتشاف منشأة ثالثة من هذا النوع أن يؤكد بشكل نهائي أن النظام الإيراني مصمم على التسلل إلى خط النهاية النووي، وهو ما سيُرغم أوباما على الرد على الأرجح. وشخصياً، أعتقدُ أنه من غير المحتمل أن تكون إيران بصدد بناء منشأة كبيرة وسرية لتخصيب اليورانيوم داخل أحد الجبال، مثلما نجحت في فعل ذلك من قبل في موقع «فوردو» بالقرب من مدينة قم، وذلك لأن النظام يدرك أن اكتشاف أمر من هذا القبيل يمكن أن يكون كارثياً، وإنْ كان مع ذلك يبقى ضمن نطاق الممكن. ثانياً، وعلى غرار غاري سامور، المتخصص في ملف إيران النووي بإدارة أوباما سابقاً، أعتقدُ أن احتمال أن يحاول النظام تخطي خط النهاية النووي متسللاً أكبر من احتمال أن يحاول القيام بذلك بشكل صريح. والمقصود بعبارة بشكل صريح طرد مفتشي الأسلحة الدوليين، مع جهد واضح إلى حد ما لتخصيب اليورانيوم إلى مستويات تسمح بتطوير أسلحة نووية. وفي هذه اللحظة، يمكن لإيران أن تقوم بذلك في فترة زمنية قصيرة إلى حد ما، ولكنني أعتقد أن من شأن القيام بهذه المحاولة أن يؤدي إلى رد فوري من قبل أوباما. وربما لن يواجه أوباما أياً من هذين السيناريوهين، وذلك على اعتبار أن النظام الإيراني أذكى من أن يستفزه، على الأرجح، سواء عبر التسلل إلى خط النهاية النووي أو القيام بذلك بشكل علني وصريح. فهدف النظام الإيراني ما زال يتمثل في تفادي عبء العقوبات، مع الحفاظ في الوقت نفسه على البنية التحتية لبرنامج نووي. ولكن إذا أحس النظام الإيراني بأنه يستطيع الدفع في اتجاه عبور العتبة النووية من دون عواقب عسكرية، فقد يجد إغراء أكبر في القيام بذلك. ويعتقد كثير من الأطراف في العالم أن من غير الوارد أن يستعمل أوباما القوة ضد منشآت أسلحة الدمار الشامل الإيرانية -وذلك بناء على القرار الذي اتخذه في اللحظة الأخيرة والقاضي بالإحجام عن شن هجمات على قوات نظام الأسد رداًّ على الاستعمال الواسع للأسلحة الكيماوية ضد المدنيين السوريين. غير أن هذا استنتاج مؤسف، وهو استنتاج لم يقم به الإيرانيون أنفسهم على ما يبدو. وفي هذا السياق، يعتقد «سامور»، الذي كان هو أشرس مسؤول في البيت الأبيض بخصوص موضوع النوايا الإيرانية، أن لدى النظام الإيراني فهماً أفضل لأوباما من بعض منتقديه الداخليين، حيث قال لي: «إنني لم ألاحظ على الإيرانيين ما يفيد بأنهم خرجوا من الحلقة السورية باستنتاج يفيد بأنهم يعتقدون أنهم يستطيعون القيام بأي شيء»، مضيفاً «إنهم لم يدفعوا ببرنامجهم النووي إلى الأمام، بل قلصوه». كما يعتقد «سامور» أيضاً أن المرشد الأعلى في إيران: «يحاول تجنب أعمال يعتقد أنها ستؤدي إلى هجوم أميركي. وعلى سبيل المثال، فهو يدرك أن من شأن طرد المفتشين أن يزيد بشكل دراماتيكي من خطر احتمال هجمات أميركية». وفي هذا الأسبوع، أفادت وكالة الطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة بأن حجم مخزون إيران من غاز اليورانيوم المخصب إلى مستوى 20 في المئة قد انخفض بشكل دراماتيكي لأول مرة منذ أربع سنوات. صحيح أن ذلك لا يشير إلى أن الإيرانيين قرروا فجأة التخلي عن برنامجهم النووي بشكل كامل، ولكنه يعني أن لدى النظام فهماً معقولاً لـ«الخطوط الحمراء» التي حددها أوباما. وعلى غرار كثير من الناس، أتمنى لو أن أوباما كان أكثر صرامة مع نظام الأسد، غير أن من الخطأ الاعتقاد بأنه ما دام أوباما لم يقم بشيء ضد أحد التهديدات، فإنه لن يقوم بشيء ضد تهديد آخر -خاصة تهديد وصفه بأنه أهم تحدٍّ للأمن القومي يواجه الولايات المتحدة. ------ جيفري جولدبرج محلل سياسي أميركي ------ ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبرج نيوز سيرفس»