نيران صديقة من قطر!
عاد القرضاوي من جديد ليستخدم منبر خطبة الجمعة بمسجد عمر بن الخطاب في العاصمة القطرية الدوحة، ليشن هجوماً مبطناً على دولة الإمارات العربية المتحدة في خطبة نقلها التلفزيون القطري الرسمي نافياً أن غيابه في الأسابيع الثلاثة الماضية كان بسبب ما تداوله «أصحاب الفتن الذين صنعوا أزمة من سطرين قلتهما في حق الإمارات جعلت أنصار الانقلاب يعملون منها ضجة كبيرة». وكان القرضاوي في الرابع والعشرين من يناير الماضي قد هاجم دولة الإمارات ومن على منبر خطبة الجمعة في الدوحة مثيراً استياءً رسمياً وشعبياً في دولة الإمارات وفي دول مجلس التعاون.
لقد قال وزير الخارجية القطري خالد العطية بأن القرضاوي «لا يمثل السياسة الخارجية لقطر» مؤكداً على أن «سياسة دولة قطر الخارجية تؤخذ فقط من القنوات الرسمية للدولة»، فيما اعتبرت دولة الإمارات أن البيان القطري بالتنصل من تصريحات القرضاوي بحق دولة الإمارات غير مرضٍ، وصرح وزير الدولة للشؤون الخارجية الدكتور أنور قرقاش: «سعينا طيلة الأيام الماضية إلى احتواء المسألة من خلال الاتصالات المستمرة رفيعة المستوى بين البلدين ولكن هذه الاتصالات لم تسفر إلا عن تصريح رسمي لم يشر إلى موقف حاسم يرفض خطاب القرضاوي». وأعلنت دولة الإمارات استدعاء سفير الدوحة في أبوظبي وسلمته مذكرة احتجاج رسمية وذلك للمرة الأولى في تاريخ العلاقات الإماراتية القطرية.
إن المتتبع لسير الأحداث وللسياسة الخارجية القطرية وعلى الرغم من توقعات البعض المتفائلة بأن السياسة الخارجية القطرية ستخضع للمراجعة والتقييم وستجنح تدريجياً للاعتدال إلا أن تطورات الأحداث تشير إلى أن السياسة الخارجية القطرية تمضي بنهج يرتكز على قناعات سياسية ذاتية لا تأخذ بالاعتبار حقائق التاريخ والجغرافيا ولا تضع في الحسبان المخرجات السلبية للخيارات السياسية التي تنتهجها على دول مجلس التعاون وعلى الأمن الخليجي. وكان القرضاوي قد انتقد مسبقاً المملكة العربية السعودية في موقفها العلني بتأييد القوات المسلحة المصرية بقيادة وزير الدفاع عبدالفتاح السيسي بالإطاحة بالرئيس المعزول محمد مرسي في 30 يونيو. وهو الموقف الذي أيدته كافة دول الخليج باستثناء قطر، ورغم الوساطات الخليجية غير المعلنة إلا أن تصاعد الخلافات مستمر حتى الآن. وعلى صعيد الموقف القطري الرسمي من مصر فقد عبرت مصر كذلك عن استيائها من التدخلات القطرية في الشأن المصري فصرح وزير الخارجية المصري الدكتور نبيل فهمي بـ«أن صبر مصر بدأ ينفد على التدخلات القطرية في شؤون مصر»، وهو ما يعيد طرح تساؤلات مشروعة حول الحد الفاصل بين السياسة الخارجية القطرية وأجندة جماعة «الإخوان المسلمين».
إن الحكمة السياسية تقتضي من الدوحة أن تلجم جماح القرضاوي وأن توقف تصريحاته السياسية النارية من على منبر رسمي ديني ومن خلال البث الإعلامي للتلفزيون القطري إلا أن استمرار القرضاوي في تسييس خطب الجمعة يضع أكثر من علامة استفهام حول السياسة القطرية تجاه دولة الإمارات وتجاه المملكة العربية السعودية بشكل أساسي رغم تصريح وزير الخارجية القطري بأن السياسة القطرية تؤخذ فقط من القنوات الرسمية للدولة، فيبدو أننا بحاجة لتعريف جديد للقنوات الرسمية القطرية.
في الحقيقة أن الإجراءات الدبلوماسية المعلنة وغير المعلنة التي اتخذتها دولة الإمارات في علاقتها من الشقيقة الصغرى قطر لم تؤدِ إلى نتيجة فتصريح وزير الخارجية القطري في الحقيقة أعطى القرضاوي ضوءاً أخضر في ممارسة حرية التهجم على دولة الإمارات وغيرها من الدول الخليجية والعربية التي لا تتوافق سياساتها مع أجندات جماعة «الإخوان المسلمين» فبعد اعتلاء القرضاوي المنبر الجمعة الماضي في الدوحة وتهجمه على دولة الإمارات تصريحاً وتلميحاً لا زلنا نقول للشقيقة قطر إن العلاقات الإماراتية القطرية تتجاوز آراء وأفكاراً مؤدلجة للقرضاوي، والحكمة السياسية تقتضي ألا توضع العلاقات الثنائية التاريخية على المحك.