أسلوب الحياة وخطر الإجهاض التلقائي
لأسباب كثيرة معروفة، وأحياناً أخرى غير معروفة، يفقد عدد كبير من النساء أجنتهن أثناء الحمل، نتيجة الإجهاض التلقائي، أي الإجهاض غير المتعمد، أو الناتج عن تدخل طبي لسبب محدد. ولدرجة أن الإجهاض التلقائي، يعتبر أكثر المضاعفات الطبية انتشاراً على الإطلاق، خلال المراحل الأولى من الحمل. وعلى رغم انتشار الإجهاض التلقائي إلا أنه لا يزال من الصعب تحديد معدلات دقيقة لمدى انتشاره. إما لأنه كثيراً ما يحدث في المراحل المبكرة من الحمل، أي قبل أن تدرك المرأة أنها حامل من الأساس، أو أحياناً لأنه قد يحدث دون وقوع نزيف مسبق يدفع المرأة الحامل لمراجعة طبيبها. وإن كانت بعض الدراسات تقدر بأن حجم الخطر -التراكمي- للإجهاض ما بين الأسبوع الخامس والأسبوع العشرين من الحمل، يتراوح ما بين 11 إلى 22 في المئة.
ويختلف حجم خطر الإجهاض التلقائي، باختلاف زمن أو فترة الحمل، حيث تبلغ احتمالات إجهاض الحمل خلال الأسبوع الواحد حوالي 2 في المئة حتى الأسبوع الثالث عشر، لتنخفض إلى 1 في المئة بحلول الأسبوع الرابع عشر، ثم تنخفض تدريجياً بين الأسبوعين الرابع عشر والعشرين. وفي بريطانيا، تتجسد هذه النسب والاحتمالات، في حقيقة أن واحدة من كل سبع حالات حمل، تنتهي بالإجهاض التلقائي. وترتبط معدلات أو احتمالات الإجهاض التلقائي، ارتباطاً وثيقاً، بعمر الأم والأب. فحسب إحدى الدراسات ارتفعت معدلات الإجهاض التلقائي، من 9 في المئة فقط، لمن هن في سن الثانية والعشرين، إلى 84 في المئة لمن هن في سن الثامنة والأربعين.
وتتنوع الأسباب التي تؤدي لفقدان الجنين أثناء الحمل، حيث تشمل الاختلالات الوراثية، وخصوصاً في الأجسام الصبغية أو الكروموسومات، والاضطرابات الهرمونية، والعيوب الخلقية في الرحم، والعدوى في الجهاز التناسلي، ورفض جسم الأم للجنين، وأحياناً بعض الفحوصات والتدخلات الطبية التشخيصية الحادة، وغيرها.
وبخلاف الأسباب المباشرة والواضحة للإجهاض، تتضافر بعض عوامل الخطر في زيادة احتمالات وقوعه. فكما ذكرنا سابقاً، ترتبط تلك المعدلات ارتباطاً وثيقاً بعمر الأم، وخصوصاً بين من تخطين سن الخامسة والثلاثين. ويرتبط الإجهاض التلقائي أيضاً بإصابة الأم ببعض الأمراض المزمنة أو الحادة، مثل داء السكري، وتكيُّس المبيضين، وانخفاض نشاط الغدة الدرقية، وأمراض المناعة الذاتية، والعدوى ببعض أنواع الجراثيم، كما في حالة الإصابة بفيروس الحصبة الألمانية أو ميكروب «الكلاميديا».
وإذا ما خصصنا داء السكري بمزيد من التفاصيل في ظل حقيقة انتشاره على نطاق واسع في دول المنطقة، فسنجد أن النساء اللاتي يعتمدن على الإنسولين للتحكم في مستوى السكر في الدم، وبخلاف حقيقة أن احتمالات حدوث الإجهاض التلقائي لديهن تبلغ 16 في المئة، تزداد هذه الاحتمالات بنسبة 3,1 في المئة إضافية، مع كل درجة انحراف معياري في متوسط مستوى السكر في الدم، والذي يحدد من خلال الفحص المعروف برمز (HbA1c). أما النساء اللاتي يتمتعن بتحكم جيد في مستوى السكر في الدم، وخصوصاً خلال المراحل المبكرة من الحمل، فلم يزد لديهن خطر الإجهاض التلقائي بشكل ملحوظ.
وفي الآونة الأخيرة، تزايد الإدراك لأهمية نمط أو أسلوب الحياة، في التأثير على احتمالات حدوث الإجهاض، زيادة أو نقصاناً. فعلى سبيل المثال يرتبط تدخين الأم بزيادة خطر الإجهاض، كما يرتبط أيضاً تدخين الأب بزيادة ذلك الخطر. حيث أظهرت الدراسات أن الآباء الذين يدخنون أقل من عشرين سيجارة في اليوم تزداد احتمالات تعرض زوجاتهم للإجهاض بنسبة 4 في المئة، لترتفع هذه الاحتمالات إلى 81 في المئة بين الزوجات اللاتي يدخن أزواجهن أكثر من عشرين سيجارة في اليوم.
وحسب دراسة حديثة نشرت نهاية الأسبوع الماضي في إحدى الدوريات الطبية الدولية المتخصصة في أمراض النساء والولادة، أجراها علماء جامعة كوبنهاجن بالدنمارك، وشملت أكثر من 90 ألف امرأة، يزداد خطر الإجهاض التلقائي بين النساء المصابات بزيادة الوزن أو السمنة المفرطة، وأيضاً بين من تنخفض أوزانهن عن المعدلات الطبيعية الصحية، ومن تخطين منتصف الثلاثينيات ويتناولن الكحوليات، أو يعملن في نوبات عمل ليلية، أو يرفعن أوزاناً تزيد عن 20 كيلوجراماً.
وحتى استهلاك الكافيين، وخصوصاً الإفراط فيه، أصبح موضع اتهام خلف زيادة حالات الإجهاض التلقائي. حيث أظهرت بعض الدراسات أن النساء اللاتي يتناولن أكثر من 200 مليجرام من الكافيين في اليوم الواحد، وهي كمية الكافيين الموجودة في 300 مليليتر من القهوة أو 740 مليليتراً من الشاي، بلغت معدلات الإجهاض لديهن 25 في المئة، مقارنة بـ13 في المئة بين من كن يتناولن أقل من هذه الكمية، وإن كانت دراسات أخرى لاحقة قد نفت أيضاً هذه العلاقة. وبالنظر إلى الأسباب المباشرة المعروفة لحدوث الإجهاض التلقائي، وأخذاً في الاعتبار تزايد الإدراك بأهمية عوامل الخطر، وخصوصاً تلك المرتبطة بنمط أو أسلوب الحياة، يمكن القول إنه من الممكن في كثير من الحالات، تجنب وقوع الإجهاض، أو على الأقل خفض احتمالات حدوثه. وحتى في الحالات التي تعرضت بالفعل لهذه المأساة الإنسانية، يمكن من خلال معرفة وتحديد السبب، منع تكرارها ووقوعها مرة أخرى.