قفزة في الموازنات الخليجية
صدرت الموازنات السنوية لدول مجلس التعاون الخليجي لعام 2014 بمستويات إنفاق قياسية، مما يعكس الأبعاد التنموية والمعيشية التي تسود دول المجلس في الفترة الحالية مدفوعة باستقرار أسعار النفط عند مستويات مرتفعة على الرغم من انخفاضها عن مستوياتها في العام الماضي.
وتراوحت نسب الزيادة في الانفاق بين 4.3% و5% للدول التي أعلنت موازناتها حتى الآن، حيث تعكس هذه الزيادة تنفيذ المزيد من المشاريع وتنوع الخدمات العامة المقدمة وتطوير البنى التحتية، إذ يتوقع أن يتجاوز حجم الإنفاق نهاية العام الجاري حجمه المعلن في بداية العام، وذلك للارتفاع المتوقع في الالتزامات المالية، خصوصا أن الموازنات السابقة تجاوز فيها الإنفاق الفعلي بنسب كبيرة الانفاق المعلن وبنسب تتراوح ما بين 5-19%.
وبلغت الميزانية الاتحادية المعلنة لدولة الإمارات لهذا 46 مليار درهم (12.5 مليار دولار)، وذلك باستثناء الموازنات المحلية، في حين أعلنت السعودية عن ميزانية قياسية بمبلغ 855 مليار ريال أي ما يعادل (228 مليار دولار) في حين بلغت ميزانية سلطنة عمان 51.5 مليار دولار، مقابل 5.3 مليار دولار لميزانية البحرين في الوقت الذي يتوقع أن تعلن كل من قطر والكويت موازنات قياسية في بداية شهر أبريل القادم.
ويعكس هذا النمو الكبير في الإنفاق متانة الأوضاع الاقتصادية في دول المجلس، إلا أنه يشكل في الوقت نفسه تحدياً في حالة استمرار ارتفاعه بالمعدلات الحالية، خصوصاً وأن عائدات النفط والتي تشكل 93.3 من إيرادات ميزانية الكويت و90% من ميزانية السعودية، وهي نسبة كبيرة، في الوقت التي تعتبر مساهمة قطاع النفط في إيرادات الموازنة الإمارتية هي الأقل، وهو تقدم تم بفضل تنويع مصادر دخل الحكومة الاتحادية والتي تشكل 58 في المئة من إجمالي إيرادات عام 2014.
وتتمثل المخاوف الخاصة بالاعتماد على العائدات النفطية في إمكانية انخفاض أسعار النفط في السنوات القادمة، وذلك للعديد من الأسباب المالية والجيو- سياسية والتي يتمثل أهمها في ارتفاع انتاج النفط الصخري، وبالأخص في الولايات المتحدة، والذي لن يؤثر كثيراً في الأسعار بسبب ارتفاع تكاليف إنتاجه، بقدر تأثيره على الإمدادات القادمة من البلدان الأعضاء في الأوبك، كما أن تخفيف العقوبات على إيران بعد الاتفاق الإيراني الأميركي واحتمال زيادة إنتاج النفط في العراق بنسبة كبيرة قد تصل إلى 100% ربما يؤدي إلى تأثر الإمدادات من البلدان الأخرى المصدرة للنفط في منطقة الخليج العربي وخارجه.
وسوف تتراوح شدة تأثر الموازنات الخليجية بين بلد وآخر، فدولة الإمارات والسعودية وقطر والكويت حققت في السنوات الماضية فوائض كبيرة بلغت 55 مليار دولار في السعودية وحدها في العام الماضي و45 مليار دولار في الكويت، في حين حققت موازنتا عُمان والبحرين نوعاً من التوازن أو العجز البسيط.
وفي العام الجاري احتسبت التوقعات الخاصة بأسعار النفط للموازنات الخليجية بتفاوت كبير أيضاً تراوح ما بين 65 دولار للبرميل في قطر إلى 105 في عُمان، حيث يمكن للموازنة العُمانية أن تعاني من عجز في عام 2014 بسبب التوقعات الخاصة بإمكانية انخفاض متوسط برميل النفط إلى أقل من 100 دولار في العام الجاري.
وتحسباً لذلك أعلنت سلطنة عُمان رسمياً عن إمكانية بيع بعض الأصول الخارجية أو الاقتراض من الأسواق العالمية لتسديد العجز المتوقع، حيث يمكن لعُمان التعامل بسهولة مع هذا التطور في الوقت الحاضر، إلا أن استمرار أسعار النفط لأقل من 100 دولار للبرميل لعدة سنوات سيشكل عبئاً على الموازنة السنوية.
لذلك، فإن الحل الأمثل يتمثل في العمل بالسرعة القصوى لتنويع مصادر الإيرادات وتقليل الاعتماد على العائدات النفطية وتخفيض مساهمتها، حيث تبرز من جديد تجربة الموازنة الاتحادية الإماراتية وتجربة دبي، والتي لا يشكل النفط أكثر من 5% من مكوناتها، حيث يمكن لبقية دول المجلس الاستفادة من هذه التجربة لتنمية مصادر الإيرادات البديلة مع المحافظة على عائدات الاستثمارات الخارجية، والتي تشكل دعماً إضافياً للموازنة لابد من المحافظة عليه وتقليل مخاطر الاقتراض الخارجي.
د.محمد العسومي