هذه المرة سوف يتم رسو المركبات الفضائية على ظهر المذنبات وليس القمر والمريخ؟ أين ستنزل المركبة؟ ولماذا كان اسم روزيتا؟ ومتى انطلقت؟ ومتى ترسو؟ وكم قطعت من مسافة؟ وأين تحوم الآن؟ أما اسمها فمن حجر رشيد الذي فك أسراره شامبليون، فهي تحمل أسرار الحرف والكلمة. وقد بدأت الرحلة في الثاني من مارس 2004، وقطعت مليارات الكيلومترات، حيث طافت حول الأرض ثم استدارت على المريخ، وانطلقت بسرعة مائة ألف كيلومتر في الساعة، وهي تحوم حالياً حول زحل بمسافة تزيد على بعد الشمس عن الأرض ثلاث مرات. لقد حسب علماء المركز الأوروبي للطيران والفضاء الخارجي، برودة الجو في غلاف زحل، ولاحظوا أن بطاريات التسخين لن تأخذ حاجتها من شمس الأصيل إلا النزر اليسير، فنظموها على أساس أن تنام لمدة سنتين ونصف السنة، وذلك بداية من عام 2011. حين تستيقظ الأجهزة وتعمل الإلكترونيات ستنطلق إلى هدفها نحو المذنب الذي أخذ الاسم الروسي «تشورجوموف»، وهو كائن كبريتي باهت يدور في مدارات خاصة، يلف بها عبر أجواز النظام الشمسي فيقترب ويبتعد. قام العلماء من المركز الفلكي الأوروبي بدفع المركبة بحيث تأخذ دورات مع لفة الفلك، فساعة حول القمر والأرض، وأخرى حول المريخ، وثالثة حول زحل، ثم متابعة المسير باتجاه المذنب، ثم صمت فلا حياة لمدة عامين ونصف العام، ثم يقظة فحركة باتجاه المذنب الكبريتي. كيف سيكون ارتطام المسبار بأرض المذنب؟ وما طبيعة تكوينه؟ ومتى سيكون اللقاء في أرض الغرام تلك؟ لقد صرح الجيوفيزيائي ستيفان اولاميك، من المركز الأوروبي لأبحاث الفضاء، أنها المغامرة الأولى من نوعها في الرسو على سطح مذنب كبريتي لا يزيد قطره عن أربعة كيلومترات يشبه العهن المندوف من سخام وكبريت. ومعلوم أن مسار المذنبات معقد، لذلك فهي تجربة رائدة ومحفوفة بالمغامرة. إذا انطلقت المركبة مجدداً، وعملت الأجهزة كما هو محسوب؛ فإنها بإذن الله سوف تحلق حول المذنب في أغسطس المقبل، وستهبط في نوفمبر. إنها تشبه براداً بوزن مائة كيلوجرام، لكن ارتطامها بالمذنب سيكون سهلا وكأنها علبة سردين. المهم أن لا تغطس في هباب الكبريت المندوف، وأن تنزل على أرض مستوية نوعاً ما، وتستقبل ضوء الشمس من الجهة الصيفية للمذنب. سوف تستمر مهمة هذا المسبار حتى ديسمبر 2015. لكن ماذا تعني هذه الرحلة لروزيتا وما الفائدة؟ الجواب علمي فلسفي. أولا يقولون إن عمر هذا المذنب من عمر الأرض، فهو يحدث بأخبارها! إذ سيخبرنا حول طبيعة مكوناتها. نحن نعلم أن عمر الأرض هو 4,6 مليار سنة، والنظام الشمسي ثمانية مليارات سنة، والانفجار العظيم حدث قبل 13,7 مليار سنة. سوف يقص علينا هذا حقيقة القصة، أهي واقعية أم خرافية؟ الأوروبيون يسألون الكون عن عمره، ويرسلون مركبة تقطع مليارات الكيلومترات، وتطوف حول الأرض والقمر والمريخ وزحل، بحثاً عن مذنب تائه في أجواز الفضاء، على بعد ثلاثمائة مليون كيلومتر، لتحط فوق مذنب صغير تسأله عن عمر الكون وحالة الفلك... هذا مقابل ما يحدث عندنا، من قتل وشنق وحرق وخنق!