أمراض القلب والشرايين... توصيات حديثة للوقاية
جاءت توصية «المعهد القومي للتميز في الرعاية الصحية» نهاية الأسبوع الماضي، بتوسعة مدى، وزيادة عدد، من يفترض فيهم تلقي العلاج بالعقاقير المخفضة للكوليسترول في الدم، ليلقي الضوء مرة أخرى على الأهمية التي أصبحت تكتسيها هذه النوعية من العقاقير في الوقاية من أمراض القلب والشرايين. فحتى وقت قريب نصت التوصيات الطبية على ضرورة وصف العقاقير المخفضة للكوليسترول، المعروفة بمجموعة «الستاتين»، لمن يقدر الأطباء أن احتمالات إصابتهم بالذبحة الصدرية أو بالسكتة الدماغية خلال عقد من الزمن، تزيد عن 20 في المئة. ولكن حسب التوصيات الجديدة، يفترض أن كل من يقدر الأطباء أن احتمالات تعرضه للذبحة الصدرية أو السكتة الدماغية تقارب 10 في المئة فقط، أن يتلقى علاجاً يومياً وقائياً بأحد أنواع مجموعة عقاقير «الستاتين». ويعتمد الأطباء على مجموعة عوامل لتحديد مدى خطر التعرض مستقبلاً لأمراض القلب والشرايين، منها السن أو العمر، والجنس، والتدخين، ووزن الجسم، والإصابة بداء السكري، وغيرها من المعايير.
والمتبع حالياً في بريطانيا، وحتى التوصيات الأخيرة، هو أن يتم فقط وصف العقاقير المخفضة للكوليسترول، لمن تزيد نسبة الخطر لديهم عن 20 في المئة، أي ما يقدر حالياً بسبعة ملايين شخص. وهو ما جعل التكلفة السنوية للعقاقير المخفضة للكوليسترول، التي يتحملها نظام الرعاية الصحية الوطني البريطاني، يزيد عن 450 مليون جنيه إسترليني (2, 8 مليار درهم)، لهذا البند الدوائي وحده، على رغم ما شهدته أسعار تلك العقاقير من انخفاض تدريجي خلال السنوات القليلة الماضية. ولكن في ظل استمرار احتلال أمراض القلب والشرايين مرتبة متقدمة على أسباب الوفيات، في بريطانيا وبقية دول العالم، وبناء على التقديرات أن التوصيات الحالية المتعلقة بعقاقير «الستاتين» تنقذ حياة 180 ألف شخص في بريطانيا وحدها، أمسك «المعهد القومي للتميز في الرعاية الصحية»، وهو الجهة العلمية المسؤولة عن إصدار التوصيات الطبية لقطاع الرعاية الصحية في بريطانيا، زمام المبادرة من خلال توصياته الجديدة بتوسعة مدى وزيادة عدد من يتلقون العلاج الوقائي بالعقاقير المخفضة للكوليسترول.
وليس من الواضح حتى الآن حجم أو عدد من سيضافون إلى الملايين السبعة الذين يتلقون هذا النوع من العلاج، وإن كانت التقديرات تتراوح ما بين مئات الآلاف إلى بضعة ملايين، مع تكلفة إضافية، تقدر أيضاً بمئات الملايين من الجنيهات. وفي ظل هذه التكلفة الباهظة، لنظام رعاية صحية مجاني، يعتمد على أموال دافعي الضرائب كمصدر أساسي في تمويله، وبالإضافة إلى ارتباط العقاقير المخفضة لمستوى الكوليسترول في الدم بمضاعفات قد تكون خطيرة أحياناً، في العضلات والكبد والكليتين، أصبح من الضروري التوقف قليلاً عند الأساسيات المتعلقة بأمراض القلب والشرايين، والطرق والأساليب المختلفة في تحقيق الوقاية منها.
وأول هذه الأساسيات أو الحقائق، هو احتلال أمراض القلب والشرايين لرأس قائمة أسباب الوفيات بين أفراد الجنس البشري دون منازع، حيث يتوفى سنوياً عدد من البشر بسبب أمراض القلب والشرايين، أكثر من العدد المتوفى من أي سبب آخر. ففي عام 2008 مثلاً توفى 17, 3 مليون شخص بسبب أمراض القلب والشرايين، وهو ما يمثل 30 في المئة من مجمل الوفيات البشرية في ذلك العام. ومن بين هؤلاء توفى 7, 3 مليون نتيجة أمراض الشرايين المغذية للقلب أو ما يعرف بالذبحة الصدرية، و6, 2 مليون نتيجة انسداد أو انفجار أحد شرايين المخ، أو ما يعرف بالسكتة الدماغية. بينما تشير التقديرات المستقبلية إلى أن عدد الوفيات الناتجة عن أمراض القلب والشرايين سيتخطى الـ23 مليون شخص سنوياً بحلول عام 2030.
وتتضمن عوامل الخطر الأساسية خلف أمراض القلب والشرايين: استخدام منتجات التبغ، وقلة الحركة وعدم ممارسة النشاط البدني، والغذاء غير الصحي أو المتوازن، مما يؤدي إلى زيادة الوزن والسمنة، والإصابة بداء السكري. ويعتبر أيضاً ارتفاع مستوى الكوليسترول في الدم، وخصوصاً ما يعرف بالكوليسترول السيئ، الذي يكون غالباً ناتجاً عن زيادة الوزن وقلة النشاط البدني، من عوامل الخطر المهمة في الإصابة بأمراض القلب والشرايين، حيث تترسب المستويات المرتفعة منه داخل جدران الشرايين مما يؤدي إلى تصلبها وانسدادها لاحقاً.
ويعتبر الخط الأول في التحكم في مستويات الكوليسترول في الدم هو خفض وزن الشخص إلى مستويات صحية، من خلال خفض المتناول من السعرات الحرارية، والاعتماد على غذاء صحي منخفض في الدهون، وممارسة النشاط البدني والرياضة. وللأسف يحتاج كثير من المصابين بارتفاع في مستوى الكوليسترول في الدم إلى تعاطي عقاقير وأدوية بشكل يومي، تنجح بالفعل في خفض مستوى الكوليسترول. ولكن في ظل التكلفة التي تتحملها نظم الرعاية الصحية، أو أحياناً المريض بشكل مباشر، وما قد يترتب على تلك العقاقير من مضاعفات، يطالب كثيرون بعدم تجاهل خط الدفاع الأول المعتمد على خفض الوزن وزيادة النشاط، وتجنب القفز مباشرة لخط الدفاع الثاني المعتمد على العقاقير والأدوية. وخصوصاً أن خفض الوزن وممارسة النشاط البدني والرياضة لا يتركان تأثيرهما على مستوى الكوليسترول فقط بل يمتد أثرهما أيضاً إلى بعض عوامل الخطر الأخرى المرتبطة بأمراض القلب والشرايين.