حزب «المؤتمر» الهندي... تحديات جمة
يواجه حزب «المؤتمر» الهندي العريق الذي يقود اليوم الائتلاف الحاكم في نيودلهي تحدياً كبيراً للفوز في الانتخابات النيابية القادمة المقرر إجراؤها في أبريل المقبل، بسبب تباطئ معدلات النمو الاقتصادي، وارتفاع نسب التضخم في أسعار الطعام، وتورط عدد من وزرائه ورموزه في قضايا الفساد واستغلال السلطة.
فمنذ التجديد للحزب للبقاء في السلطة لولاية ثانية في 2009، شهدت الهند انخفاضاً في الناتج المحلي الإجمالي. كما شهدت العديد من قضايا الفساد غير المسبوقة كنتيجة لحالة الانفتاح الاقتصادي التي تعيشها، والتي تغري الشركات الأجنبية المستثمرة بشراء الذمم، وتغري الباحثين عن الثراء السريع لطرق جميع الأبواب والاستخفاف بالقانون. فمن تورط رمز الحزب اللامع، ووزير الدولة السابق للشئون الخارجية «شاشي تارور» في فضيحة إخفاء امتلاكه لأسهم في إحدى الأندية الرياضية – كان هذا قبل فضيحة انتحار زوجته مؤخراً بعدما اكتشفت أنه على علاقة غرامية مع صحفية باكستانية- إلى تورط نائب الحزب «سوريش كالمادي» في قضايا فساد ورشوة متعلقة بإستضافة الهند لدورة ألعاب الكومونولث في 2010، فإلى فضيحة «أدارش هاوسينج سوسياتي» المتصلة بحدوث خروقات قانونية وتلاعب وتمييز ورشاوي في مشروع لبناء مساكن للعسكريين المتقاعدين.
وعلى الرغم من أن حالات الفساد المذكورة وغيرها اكتشفتْ، وأضطر المتورطون فيها لتقديم استقالاتهم من مناصبهم، وقــُدّموا بسببها للمحاكمة، وذلك بفعل ما تتمتع به الديمقراطية الهندية الراسخة من آليات قوية للمحاسبة والرقابة، وإعلام حر يتربص بسراق المال العام، وعلى الرغم من أن مثل حالات الفساد هذه ليست محصورة في رموز الائتلاف الحاكم، وإنما تنسحب على رموز أحزاب المعارضة أيضاً، إلا أن حزب «المؤتمر» خسر الكثير من مصداقيته، وبات يعيش اليوم أزمة حقيقة قد تطيح بآماله في الاحتفاظ بالسلطة مجدداً، وهي أزمة غير مسبوقة في تاريخه الممتد لنحو 135 عاماً.
ولهذا السبب، وانطلاقاً من معرفة الحزب بالثقل الشعبي التاريخي والجماهيري للسلالة «النهروغاندية»، فإنه حاول إقناع حفيدة رئيسة الحكومة الأسبق إنديرا غاندي والابنة البكر لرئيس الوزراء الأسبق راجيف غاندي، «بريانكا غاندي» للنزول إلى الساحة السياسية، خصوصاً وأنها قريبة الشبه من جدتها المغدورة، ليس شكلا وإنما أيضاً لجهة الكاريزما الشخصية والجسارة والإقدام ووضوح الرؤية، ناهيك عن قدراتها الخطابية المشهودة في التواصل مع الجماهير وإقناعهم ودغدغة مشاعرهم على نحو ما برز في الانتخابات الماضية حينما أدارت الحملة الانتخابية لوالدتها «سونيا غاندي» من دائرة «راي باريلي»، وحملة شقيقها «راهول غاندي» من دائرة «أميتي». لكن يبدو أن هذه الحسناء الأربعينية تفضل الحياة الأسرية على السياسة والزعامة ومشاكلهما، طبقا لما عبرت عنه في مقابلة لها مع هيئة الإذاعة البريطانية في 1999 ، حيث قالت إنها تؤكد للمرة الألف عدم اهتمامها بخوض غمار العملية السياسة وتفضيلها أداء واجباتها الأسرية تجاه طفليها وزوجها رجل الأعمال الطموح «روبرت فادرا»، مضيفة أنها تستطيع خدمة شعبها من خارج الحكومة أكثر مما لو كانت على رأسها. وهكذا وجد حزب «المؤتمر» نفسه مضطرا إلى تركيز جهوده وتسليط أضوائه على «راهول غاندي» كبديل.
والأخير لئن كان مثقفاً وينتمي للأسرة «النهروغاندية» أيضاً ويشبه والده كثيراً، فإنه خجول ولا يجيد إدارة المعارك السياسية التي تتطلب تواصلاً جماهيرياً ونفساً طويلاً وحرباً ضروساً ضد الخصوم الكثر، وخصوصاً في ولاية «أوتار براديش» كبرى الولايات الهندية لجهة أعداد المقترعين - مائتا مليون صوت - ولجهة التمثيل في البرلمان الاتحادي - 80 من أصل 552 مقعداً. صحيح أن «راهول» أثبت بعض القدرات السياسية والنجومية حينما ترشح في انتخابات المجلس التشريعي للولاية المذكورة، فاستطاع أن يحقق نصراً هامشياً لحزب «المؤتمر» برفع عدد مقاعده من 22 إلى28 في المجلس المكون من 403 مقاعد، غير أن هذا لا يجعله الحصان الأسود الذي يمكن الرهان عليه في هذا المفترق الصعب.
ومن هنا يجمع المراقبون على أن المتنافسين على قيادة الهند في السنوات الخمس القادمة، وفي مقدمتهم «ناريدرا مودي» مرشح حزب «بهاراتيا جاناتا» القومي المعارض ذو التاريخ المثير للجدل، و «أرفين كيجروال» مرشح حزب «آم آدمي»، أي «أنا إنسان»، يشعرون اليوم بشيء من الاطمئنان بعدما تيقنوا أن «بريانكا» لن تكون مرشحة حزب «المؤتمر» في هذه الانتخابات، ذلك أن ترشحها كان سيقلب الموازين، ويحقق «المؤتمر» على يدها نصراً مدوياً يشبه انتصاراته الكاسحة زمن «جواهر لال نهرو».
ومثل هذا الكلام ينطق به المراقبون المحسوبون على الحزب الحاكم، وعلى قوى المعارضة على حد سواء، فهي في نظر الجميع مقاتلة عنيدة ولديها حس تنظيمي دقيق وتجيد البراغماتية السياسية إنْ استدعى الأمر، وكذا التصويب في مقتل. وتأكيدا للجزئية الأخيرة يمكن الرجوع إلى ما قالته في تجمع انتخابي حاشد في «أوتار براديش» أثناء الانتخابات المحلية للولاية في مارس 2012، حيث طعنت رئيسة حكومة الولاية السيدة «ماياواتي» في مقتل بقولها إنها خدعتكم باسم الدين والطبقة ووعدتكم بالتنمية، «فأين هي التنمية وأين الارتقاء بالطبقة؟ .. إني لا أرى لهما أثراً » فما كان من الجماهير إلا وأنْ أطلقت حناجرها صائحة: « آو آو كام كارو» (تعالي تعالي وابدأي العمل).
والحال أن الوضع اليوم مختلف عما كان عليه 1999 بالنسبة لحزب «المؤتمر»، فهو يواجه تحديات جمة كما أسلفنا، وزعيمته «سونيا غاندي» متعبة صحياً، وأصوات المعقل الانتخابي للأسرة النهروغاندية لم تعد مضمونة بسبب الفضائح المشار إليها آنفاً، والبلاد تعيش مأزقاً اقتصادياً قد يؤدي إلى انكماش النمو بنسبة 5 بالمئة في العام وعدم تحقيق معدل النمو السنوي المفترض القادر على توفير فرص عمل جديدة للشباب، وذلك بسبب وقوف قوى المعارضة، بل وبعض حلفاء الحكومة أيضاً في وجه السياسات الرسمية الهادفة إلى تحسين البيئة الاستثمارية والسماح للأجانب بالاستثمار في قطاع التجزئة والطيران والإعلام.
لذا لم يكن مستغرباً إعلان «سونيا غاندي» عن أن خوض ابنها لغمار الانتخابات المقبلة، ونشاطه المحموم منذ الآن ولا سيما في الدائرة التي فازت بها هي بمقعد انتحابي - دائرة «راي باريلي» – لا يعني قيادته للحكومة الهندية المقبلة فيما لو حقق نصراً، الأمر الذي يعني أنها لا تريد لـ«راهول» أن يحترق في عملية غير مضمونة النتائج.
د.عبدالله المدني