الغرب يسعى لتسييس أولمبياد «سوتشي»... ومصلحة أميركية في «الشراكة عبر الهادي» هل تجاوزت بعض وسائل الإعلام الغربية الحد في نقدها لأولمبياد «سوتشي»؟ وكيف توسعت كوريا الجنوبية في اتفاقيات التجارة الحرة مع شركائها التجاريين؟ وماذا عن البعد الاستراتيجي في المسعى الأميركي لتفعيل «الشراكة عبر الهادي»؟ تساؤلات نضع إجاباتها تحت الضوء ضمن إطلالة سريعة على الصحافة الدولية. تسييس الأولمبياد يوم أمس، وتحت عنوان «الغرب يرى القذارة حتى في الذهب»، نشرت «تشينا ديلي» الصينية افتتاحية رأت خلالها أن الغرب حاول الانتقاص من أولمبياد سوتشي حتى قبل انطلاقها يوم الجمعة الماضي. الأولمبياد حدث رياضي، لكن الغرب استغله أداة سياسية ضد روسيا، والأمر نفسه تم تطبيقه ضد الصين التي استضافت الأولمبياد الصيفية عام 2008. شعارات الغرب في مناسبات من هذا النوع، قديمة وتتضمن عبارات مثل الفساد المزعوم، والتكاليف المبالغ فيها، وانتهاكات حقوق الإنسان. وحتى استطلاعات الرأي، خاصة التي يجريها معهد «جالوب»، رأت أن «الروس يرون فرصة ذهبية في أولمبياد سوتشي»، ومع ذلك لن يتغير موقف الغرب تجاه روسيا. ومن تابع أولمبياد بكين قبل ست سنوات، يدرك أن وسائل الإعلام الغربية غطت الحدث الرياضي بسلبية، وذلك لسبب أساسي يتمثل في التباينات السياسية والأيديولوجية بين الصين والغرب. ولا توجد أولمبياد بلا مشاكل، حيث كان لأولمبياد بكين نصيبها، وكذلك أولمبياد لندن، وسوتشي أيضاً، والأمر ينطبق أيضاً على أولمبياد ريو دي جانيرو التي ستستضيف الألعاب الصيفية عام 2016. وترى الصحيفة أن على الغرب معرفة أن تضخيم المشكلات أمر غير ضروري، وفي الوقت نفسه ليس هدفاً من أهداف الأولمبياد. وضمن هذا الإطار، وأثناء افتتاح أولمبياد «سوتشي»، قال «توماس باش» رئيس اللجنة الأولمبية الدولية، إن «الأولمبياد» مهمتها بناء جسور لربط الشعوب بعضها بعضاً، وليس الهدف منها تدشين جدران عازلة تفصل بين الشعوب أو تربك التنوع البشري. وحسب الصحيفة، تؤيد الصين روسيا لاستضافتها الأولمبياد الشتوية. كثير من الزعماء الغربيين قرروا عدم حضور أولمبياد سوتشي، وهذا يعني أنهم منهمكون في السياسة وليس في الاعتبارات الإنسانية. كثير من وسائل الإعلام، ومن بينها مجلة «إيكونومست»، ركزت على ذكرى أولمبياد موسكو 1980 التي قاطعها كثير من دول الغرب. لكن على عكس ما يريده الغرب، أدركت صحيفة «وول ستريت جورنال» في افتتاحيها ليوم 7 فبراير، أن النقد الذي استبق أولمبياد سوتشي كان غير مناسب، مشيرة إلى أن الانتباه سيتجه إلى الرياضيين والمسابقات مثلما هو مأمول. مزيد من اتفاقيات التجارة يوم الأحد الماضي، وتحت عنوان مزيد من اتفاقيات التجارة الحرة لكوريا، نشرت «كوريا هيرالد» الكورية الجنوبية، افتتاحية رأت خلالها أن عدداً كبيراً من البرلمانيين المعارضين ومنظمات المجتمع المدني، يعارضون التوقيع على اتفاقية التجارة الحرة بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية التي دخلت حيز التنفيذ في مارس 2012 انطلاقاً من أن شروط الاتفاقية متحيزة وتصب في مصلحة الولايات المتحدة، وستلحق الضرر بالصناعات المحلية. ومع ذلك ينبغي على هؤلاء المعارضين الشعور بالحرج بعد البيانات الصادرة عن وزارة التجارة والصناعة والطاقة، التي تشير إلى وجود فائض تجاري مع الولايات المتحدة في العام المنصرم بلغت قيمته 20,5 مليار دولار، أي بزيادة قدرها 35 في المئة. كوريا الجنوبية صدّرت إلى الولايات المتحدة سلعاً بقيمة 62 مليار دولار، بزيادة وصلت نسبتها 6 في المئة مقارنة بعام 2102، بينما تراجعت الواردات الكورية الجنوبية من الولايات المتحدة بنسبة 4,2 في المئة، حيث وصلت العام الماضي إلى 41,5 مليار دولار. كوريا الجنوبية، حسب الصحيفة، استفادت من اتفاقية التجارة الحرة التي أبرمتها مع تركيا التي دخلت حيز التنفيذ في مايو الماضي، فالصادرات الكورية الجنوبية إلى تركيا شهدت خلال العام المنصرم زيادة بلغت 20 في المئة. الولايات المتحدة وتركيا دولتان من بين 48 دولة أبرمت معها كوريا الجنوبية اتفاقية للتجارة الحرة، ومن بينها دول الاتحاد الأوروبي ودول رابطة «الآسيان»، أي أن الرئيسة الكورية الجنوبية «بارك جوين هي» لا تبالغ عندما تقول إن بلادها تتفوق على منافسيها التجاريين من خلال اتفاقيات التجارة الخارجية. وحسب الصحيفة، فإنه باستثناء تشيلي وإسرائيل، فإن كوريا الجنوبية هي البلد الوحيد الذي أبرم اتفاقية تجارة حرة مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، أي مع شريكين يسهمان بما يزيد على نصف ناتج العالم الإجمالي. كوريا تسير في الاتجاه الصحيح، وذلك منذ إبرامها عام 2003 اتفاقيات تجارة حرة مع تشيلي، ومبادرات من هذا النوع ستساعد كوريا الجنوبية على تدشين نفسها واحدة من بين أكبر القوى التجارية العالمية. كوريا هذا العام، تدفع في اتجاه توقيع اتفاقيات تجارية جديدة مع أستراليا والصين وكندا وإندونيسيا ونيوزيلندا، وفي حال إنجاز هذا الهدف، تكون كوريا الجنوبية شريكاً تجارياً لدول تسهم بنسبة 70 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. «الشراكة عبر الهادي» في افتتاحيتها ليوم الأحد الماضي، وتحت عنوان «الديمقراطيون يزعزعون سفينة أوباما»، أشارت «جابان تايمز» اليابانية إلى أن أوباما وقع على مبادرة في السياسة الخارجية تتعلق بإعادة التوازن في علاقات بلاده بالقارة الآسيوية. هذه الخطوة يُراد منها جمع الطرفين معاً كونهما أكثر مناطق العالم حيوية. اهتمام الأميركيين بآسيا كان مركزاً على المكون العسكري فقط، الذي كان سبباً في الوجود العسكري الأميركي في بعض مناطق بالقارة، لكن وزيرة الخارجية الأميركية السابقة أشارت في عام 2011 إلى «دبلوماسية المضي قُدماً» الهادفة إلى تفعيل مبادرات مثل «قمة شرق آسيا» و؛المنتدى الإقليمي للآسيان، بغرض تدشين هيكل إقليمي لمواجهة التحديات الجديدة. وثمة مكون آخر في علاقات الولايات المتحدة بالقارة الآسيوية، وهو المتعلق بالاقتصاد، ويدخل في إطاره مجلس الأعمال الأميركي مع دول رابطة الآسيان، إضافة إلى مبادرات تجارية عديدة يأتي على رأسها، مبادرة «الشراكة عبر الهادي» ضمن إطار يضم 12 دولة في اتفاق تجاري تم حسمه نهاية 2013، والعمل على تفعليه لا يزال قائماً، خاصة أن هذه الشراكة تنطوي على سياسة متناقضة، بسبب درجة السرية التي تتسم بها المفاوضات الخاصة بها، إضافة إلى تفاصيل غامضة، في حين تتسم النوايا الاستراتيجية للولايات المتحدة بالوضوح. هذه الشراكة تم تصميمها لتحفيز مفاوضات التجارة العالمية، خاصة بعد ارتباك جولة مفاوضات الدوحة، وكأن «الشراكة عبر الهادي» جاءت لتشجيع هذه المفاوضات، وفي الوقت نفسه تحفيز الأوروبيين والأميركيين على الشراكة الاستثمارية عبر الأطلسي. ومكمن التناقض التناقض يأتي من خلال ما يثار في هذه الشراكة حول «معيار ذهبي» لاتفاقيات التجارة، بدلاً من المقاربات الشائعة في اتفاقيات التجارة. وفي إطار هذا المعيار، تأتي مطالب بإصلاحات اقتصادية داخلية لإزالة عوائق التجارة الحرة أو الحد منها، وهذا مطلب تعتبره الصحيفة مصدر تهديد لبعض الكيانات السياسية، والكلام ينطبق على اليابان، لأن تطبيق «الشراكة عبر الهادي» سيؤثر على الصناعات التي تتمتع بحماية تجارية، وربما تعطل أو تضر بالسياسات الحكومية في قطاعات، منها حماية البيئة وسلامة الأغذية والمجالات الطبية والخدمات الاجتماعية. ويشار إلى أن رئيس الوزراء الياباني يعتبر «الشراكة عبر الهادي» جزءاً مكملاً لسياسته الاقتصادية، فهو يخطط لاستخدامها في تفعيل الاقتصاد الياباني. أما واشنطن، فتأمل في جعل الشراكة ليست مجرد اتفاق تجاري، بل وسيلة لإزالة أية شكوى تتعلق بالتزاماتها تجاه حلفائها في المنطقة، لا سيما في فترة تحدث فيها البعض عن تغيرات في موازين القوى داخل القارة الآسيوية، وظهور تساؤلات حول مدى جاهزية واشنطن للوفاء بالتزاماتها والدفاع عن حلفائها وشركائها الآسيويين. لكن المنظور الأميركي للشراكة، اصطدم بتصريحات لزعيم الأغلبية في مجلس «الشيوخ» السيناتور «الديمقراطي» هاري ريد يوم 29 يناير الماضي، عارض خلالها لجنة الترويج التجاري التي من خلالها يتم تمرير القوانين المعنية بالاتفاقيات التجارية داخل الكونجرس، وطرح نقاشات محدودة حولها وعدم تعديلها، والسبب يعود إلى مطالب من مجموعات ناشطة في مجال حماية البيئة وجهوا خطاباً إلى الكونجرس يرفضون فيه «الشراكة عبر الهادي»، والغريب أن «الجمهوريين» مستعدون لتأييد أوباما في هذا الملف. إعداد: طه حسيب