«فرونت لاين» تدّعي الإنسانية
لم يكن غريباً على تنظيم الإخوان المتأسلمين الذي فشل في مواجهة الرفض الشعبي والرسمي بدولة الإمارات العربية المتحدة، وباءت بالفشل كل محاولاته للإساءة للمكانة الريادية التي حققتها الدولة في مختلف المجالات، أن يعود مرة أخرى لاستهداف الدولة ممتطياً صهوة المنظمات التي تدعي العمل في مجالات حقوق الإنسان، والتي حملته على أكفّ الافتراءات والأكاذيب ومختلف وسائل تضليل الرأي العام إبّان فورة الجحيم العربي، وقبل اعتلاء مرسي كرسي مصر، فالمنظمات الحقوقية والإنسانية العالمية التي كنّا نتوهمها منابع بريئة للخير وناصرة لحقوق المغلوبين على أمرهم في كل مكان، فاجأتنا معرفة بواطنها الحقيقية بعدما ساهمت توترات المنطقة في اقترابها منّا، وصدمتنا في البداية حقيقة مريرة لم نتمكن من استيعابها بسهولة، وهي أن أعمالها الإنسانية مربوطة بنواصيها ثقافة «تحت الطاولة» التي برع «الإخوان» في التعاطي معها واستماتوا في سبيل نقلها إلى دول المنطقة، وأن ما تذرُّ به تلك المنظمات الرماد في العيون ليس سوى ضرب من التضليل، ظاهره ينضح بالإنسانية، وباطنه يخفي المخططات الدولية ومختلف المؤامرات التي ناءت بها المنطقة ولا تزال، وتكفي فضائح مسؤولي تلك المنظمات منهم القطري واليمني اللذان مُنيا بتجميد أموالهما بتهمة تضليل الرأي العام العالمي وجمع أموال باسم الحقوق الإنسانية وتوجيهها لدعم الجماعات الإرهابية ذات الأسماء المتباينة، والفعل الإخواني الواحد، والأيدلوجية الموحدة التي لا تؤمن بالأوطان، وتنتهج مواجهة إرادة الشعوب مسلكاً متشابهاً.
المنظمات التي كنّا نحترمها في السابق حينما كانت بعيدة عنّا، اكتشفنا بقربها منّا، أن حقوق الإنسان في قواميسها تعني حقوق «الإخوان»، وأن دفاعها يتم توجيهه نحو من يدفع أكثر، لا من يستحقه، وأنها تملك سحر منابر الإقناع بالشيء وضدّه، وأن معظمها واجهة تجميل استخباراتية تربطها صلات مريبة بـ«الإخوان»، وترتبط بمخططات تستهدف كامل دول المنطقة، وبسقوط القناع عن «الإخوان»، سقطت معه كل أقنعة تلك المنظمات التي ظلّت تضللنا بادّعاء العمل في مجالات حقوق الإنسان، فها هي ذي بعد فشل الهجوم المباشر، كما في حالة منظمة «هيومن رايتس ووتش» التي كتبت تقريراً مشيناً عن الدولة، لا أساس له على أرض الواقع، وأقامت الدنيا حينما ظنّت أنها ستكون فوق القانون كما في الدول الإخوانية، وتعقد مؤتمراتها حيث شاءت دون إذن من أصحاب المكان، فعادت وتراجعت سريعاً حينما فضحتها إحدى صحف الإمارات بتناول التقرير بالعقلانية والرد بالمنطق، فقامت بمحاولة تجميل تناقضها حينما ادّعت أنها «قصدت» أن الشركات هي التي لم تلتزم بقوانين العمالة، مع أن تقريرها كان يقول إن قوانين الدولة هي التي تحتاج تعديل!
وها هي ذي تلك المنظمات، بعدما فشلت في الهجوم المباشر عبر التقارير الركيكة المغلوطة حول حقوق العمالة، والأداء القانوني والمحاكمات وغيرها من التهم الاستهدافية الفضفاضة التي ضخّمتها تقارير مدفوعة حاولت عبثاً النيل من سمعة الإمارات، عادت هذه المرة بوجه آخر أكثر قُبحاً، وهو الاستهداف غير المباشر للدولة عبر تكريم من وقفوا ضد إرادة شعبها وقادتها، حيث قامت منظمة «فرونت لاين» المأجورة من دولة قطر، بدليل علاقة الجائزة بشبكة «الجزيرة» الإعلامية المعروفة بكونها أشهر المواقع المجاهرة بدعمها وانحيازها للتنظيمات الإرهابية عموماً، والإخوانية على وجه الخصوص، بتكريم المدعو محمد عبدالله الركن، الذي أدانته قوانين الدولة بالسجن، لمشاركته الجنائية في تشكيل التنظيم السري الذي أراد بالنهضة سوءاً، وبالإمارات وشعبها وقادتها شراً، غير أن شعب الإمارات سبق الشعب المصري وكافة الشعوب العربية في رفضه «الإخوان»، وكنسهم من المنابر التي مشوا فيها بالفتنة بين الناس. والسؤال الأكبر هو: على ماذا تم تكريم الرّكن؟ وماذا فعل في سجل حقوق الإنسان بالإمارات؟! خاصة وأن التكريم من جانب المنظمات التي تدّعي هذا النوع من العمل تخضع لمعايير تشترك غالباً في منحها لشخصيات قدّمت عملًا استثنائياً في مجال حقوق الإنسان، كان له أثر نافع في حياة شريحة من المجتمعات أو الشعوب، فبماذا ساهم الرّكن ليستحق هذا التكريم الذي انفضح سرّه منذ الوهلة الأولى، فشبكة الجزيرة الإعلامية، التي تم إعلانها شريكاً في الجائزة مع المنظمة، يلبسها «الدّافع» قناعاً، وتهليل المواقع الإخوانية على الإنترنت، وصحوة الجيش الإلكتروني للتنظيم العالمي للإخوان المتأسلمين، في ساحات التواصل الاجتماعي ليجعلوا من الحدث قداساً لعيد جديد، فضح الشق الراسب لتكتمل الأركان (دولة دفعت، وتنظيم خطط، وجهة مستفيدة قبضت)، فهل المشاركة في إنشاء خلية تدميرية رفضها الشعب قبل الحكام، تمّ تصنيفها باسم حقوق الإنسان المُفترى على معانيها كعمل إنساني يستحق التكريم!
أين هو الفعل الذي يستحقه الركن الذي انتمى لتنظيم جاهر برغبة «التغيير»؟ وهل المناداة بتغيير نموذج ناجح كمدرسة زايد يُعدُّ عملا بطولياً يستوجب التكريم؟ خاصة وأن هذه المنظمة وأخواتها من المنظمات الإخوانيات الهوى الأجنبيات الملامح، كانت قد أرغت وأزبدت وأقامت الدنيا ولم تقعدها، حينما أصدرت المحكمة الإماراتية حكم الإدانة بالسجن على محمد الركن، وقامت بمهاجمة قرار المحكمة دون أن تكتب سطراً واحداً عن فداحة الجرم الذي استحق عليه هذا التنظيم السري العاق لمجتمعه ووطنه، سنوات الحكم التي قضت بها المحكمة، رغم مطالبة الشعب الإماراتي بأحكام أكثر تشدداً وإيجاعاً، ورغم تلك الرغبة العارمة في إنزال أقصى العقوبات بمن تمت محاكمتهم من قادة الخلية الإخوانية. إلا أن الشعب الإماراتي ضرب مثلًا رائعاً في الامتثال لدولة القانون، كما فعلها قادته طيلة فترة التحقيق والمحاكمات، وتقبّل حكم المحكمة، لأن سيادة دولة القانون وعدم التدخل في سير القضاء، ميزة إماراتية لا يجب على من جرت في عروقه الوطنية التخلي عنها، فمن يعادي الوطن هو بالضرورة عدو لكل مواطنيه، وهو ما يضعنا أمام تساؤل حائر عن بعض الكُتّاب الذين يكتبون في صحف إقليمية درجت على الإساءة لنهضة مجتمعنا ولدولتنا، وتطاولت عليه كثيراً، رغم أن تلك الأقلام تستطيع الآن في هذه الفترة أن تتحدث بوطنية في تلك المنابر.
تبرز حقيقة هذه الجائزة التي تحمل بصمات الابتكار الإخواني، ليست سوى عطاء من لا يملك لمن لا يستحق، فما قامت المنظمة بإنفاقه على التكريم واحتفالاته ودعايته كانت أولى به ملايين الأفواه الجائعة، لو كانت الجهات المكرّمة حريصة بالفعل على حقوق الإنسان، لكن من أعطى ليس من دفع، وكل الأطراف لم تغب عنها حقيقة أن اختلال موازين المنطقة لا ينفع معه سوى إدارة الأمر كتجارة، لا كقيم وفضيلة، فتعليمات المرشد في قسم الولاء واضحة: نفّذ ثم ناقش.