يطلق على فبراير «شهر التاريخ الأسود» في الولايات المتحدة الأميركية ويمثل ذكرى بعض الأحداث المهمة في تاريخ المكوّن السكاني ذي الأصل الأفريقي، ويحتفل به الأميركيون والكنديون. ولعله الوقت المناسب لإلقاء الضوء على الإسهامات التي قدمها الأميركيون السود في تاريخ دولتهم، وملاحظة التقدم الذي تم إحرازه على صعيد تعزيز المساواة العرقية والتحديات التي لا تزال قائمة. وتمر هذا العام الذكرى الخمسون لتوقيع الرئيس ليندون جونسون «قانون الحريات المدنية» في عام 1964. ويعتبر هذا التشريع التاريخي نقطة تحول مهمة في حياة الأميركيين، ولاسيما أنه قد أنهى بقوة قانون التمييز العنصري، وفي هذا السياق، يقدم «شهر التاريخ الأسود» فرصة للتركيز على الماضي الذي يجب ألا ننساه وما قد يكون بقي من مخلفات تراث التفرقة العنصرية معنا. ونظراً لأنني نشأت في شمال الولايات المتحدة في عقد الخمسينيات من القرن الماضي، كنت غير مدرك بشكل كبير لقوانين الفصل العنصري التي حكمت الولايات الجنوبية، وفي المدرسة كنا ندرس مناهج عن الحرب الأهلية الطويلة التي مرت بها دولتنا وتاريخ إلغاء الرق، ولكن ليس أكثر من ذلك. ومع بزوغ نجم حركة الحقوق المدنية، تعرض جيلي لصدمة إدراك واقع التفرقة العنصرية وتأثيرها على حياة الأميركيين السود. ولم تكن مدارسنا تعلمنا شيئاً عن نوافير المياه والحمامات وطاولات الغداء والأعمال والمدارس والمساكن الخاصة بالبيض فقط، كما أنها لم تُدرّس لنا شيئاً عن القيود التي كانت مفروضة على حقوق التصويت. ولم نعلم شيئاً عن بعض الكتّاب والفنانين والعلماء والمستكشفين والأبطال الأذكياء الآخرين الذين كانوا قد أسهموا بشكل كبير في التاريخ الأميركي، لا لشيء سوى رفض الاعتراف بهم وفي كثير من الأحيان إنكار قيمة أعمالهم. ولعل هذا هو ما جعل إحياء «شهر التاريخ الأسود» ضرورياً، إذ لم يكن الهدف منه هو تعليمنا تاريخاً منفصلاً، ولكن غرضه الأساسي تصحيح التاريخ المحرّف الذي تعلمناه، وليس ذلك إلا من أجل ضمان استفادة الأجيال المقبلة من سرد كامل للتاريخ الأميركي. وبالفعل فتح قانون منع التمييز العنصري فرصاً جديدة للأميركيين من أصول أفريقية، إذ ضمن لهم الحق في التصويت وتوفير فرص جديدة لأولئك الذين وقعوا ضحايا للتميز العنصري. وتم إجبار الكليات والجامعات على فتح أبوابها أمام الأميركيين السود، ومنح «التمييز الإيجابي» بعض التصحيح اللازم في ممارسات التوظيف، وفاز جيل جديد من الأميركيين الأفارقة في انتخابات للمناصب العامة. وبسبب جهود رائد الحقوق المدنية جيسي جاكسون تم الضغط على الشركات لمنح حقوق امتياز لرواد الأعمال السود، وهو ما ساعد على إيجاد طبقة متوسطة جديدة بينهم. وعلى رغم ذلك، لا يزال التقدم غير كامل، ولا يزال بعض موروث العنصرية باقياً معنا، كما لا تزال هناك تحديات بارزة أمام المساواة. ومنذ تمرير قانون الحريات المدنية في الولايات المتحدة، رأى بعض السياسيين أنه من الملائم استغلال ثورة الخوف والاستياء بين الأميركيين البيض، ومن ثم تم توظيف ذلك في حملات سياسية، وكان الفوز في الانتخابات أحياناً من نصيب من يستغلون هذا الاستياء، بكافة الأساليب المباشرة وغير المباشرة. وفي بعض الأحيان أضحت التحذيرات بشأن «سوء استغلال الثروات العامة» و«الجريمة» و«عدم إنصاف التمييز الإيجابي» وسائل مشفّرة لاستغلال وإثارة مخاوف البيض. وحتى اليوم، على رغم وجود أميركي من أصل أفريقي في البيت الأبيض، لا تزال الهجمات الصارخة من عناصر «حزب الشاي» تؤسس لاستمرار الخوف والتفرقة العنصرية في سياستنا. وتتلخص اتهامات «حزب الشاي» للرئيس أوباما في أنه «ليس منّا» و«لم يولد هنا» و«ليس أميركياً حقيقياً»، ولا ننسى أن الحركة تشير استطلاعات الرأي إلى أنها مكونة من أفراد بيض في منتصف العمر، ومن الذكور ممن يعتقدون على نحو غير متكافئ أن السود مفضلون من قبل الحكومة ويحصلون على امتيازات جائرة على حقوق البيض. غير أن العكس صحيح تماماً، ففي الحقيقة، لا تزال التفرقة العنصرية وعدم المساواة تميز الحياة الأميركية، فمعظم المدن الأميركية، على سبيل المثال، لا تزال مقسمة على أساس عنصري، إذ يعيش السود في أفقر الأحياء. وكثيراً ما توجد في هذه الأحياء مدارس دون المستوى ومرافق رعاية صحية غير ملائمة. وبصورة عامة، تزيد نسبة الفقر بين الأميركيين السود، وتقدر نسبة البطالة بينهم بضعف النسبة، مقارنة بنظرائهم من البيض. ونتيجة لذلك الفقر المدقع والمتفشي والافتقار إلى الفرص، فإن نحو ثلث الذكور من الأميركيين الأفارقة تحت سن 39 عاماً مسجلون في أنظمة السجون الأميركية، سواء في انتظار المحاكمة أو أنهم يقضون فترة عقوبة، أو تم إطلاق سراحهم. وعلى رغم التقدم الذي تم إحرازه، لا تزال هناك أعمال حقيقية يجب القيام بها لتحقيق الحلم الأميركي لكافة مواطني الولايات المتحدة، فأولئك الذين يتهمون «شهر التاريخ الأسود» بأنه يجعلنا «مدركين للتفرقة بين البيض والسود» أو الذين ينتقدون قانون الحريات المدنية زاعمين أنه يحابي جماعة على حساب أخرى، لا يفهمون النقطة الجوهرية. فأهداف كلا الفريقين هي إلغاء الخطوط الفاصلة على أساس اللون التي شوهت تاريخنا وواقعنا في الوقت الراهن، كي تجعلنا «اتحاداً أكثر كمالاً» يمنح فرصاً متساوية للجميع.