لم يجافِ وزير الدفاع السابق، روبرت جيتس، الصواب عندما قال: إن هيلاري كلينتون لدى اختيارها بين تبني سياسية خارجية مسؤولة ومتماسكة فكرياً، وبين التودد إلى اليسار الانعزالي الذي يمثل القاعدة الأساسية للحزب الديمقراطي، فإنها دائماً تؤثر الأخير، وهو بالفعل ما قامت به فيما يتعلق بخطة الزيادة في عدد القوات بالعراق التي رفضتها، وتكرره اليوم أيضاً في مسألة فرض العقوبات على إيران من خلال رسالتها الأخيرة إلى السيناتور كارل ليفين، رئيس لجنة الخدمات العسكرية بمجلس الشيوخ، والتي جاء فيها: «علينا، كما قال الرئيس أوباما، إعطاء الديبلوماسية فرصة للنجاح، مع إبقاء جميع الخيارات مطروحة على الطاولة، لذا فأي عقوبات جديدة على إيران قد تحرمنا من الامتياز الذي تحققه الدبلوماسية والذي اشتغلنا عليه طويلا حتى يتحقق، هذا ناهيك عن أن العقوبات ستنسف الجبهة الدولية الموحدة ضد إيران، كما ستضعف على المدى البعيد الضغط الحالي على طهران عبر فسح المجال أمام دول أخرى لاختيار طريقها بمنأى عن التوافق الدولي والتعامل مع طهران على نحو منفرد». والحقيقة أن ما قالته كلينتون في رسالتها ينسجم مع الطرح العبثي وغير العقلاني الذي يتبناه أوباما والسيناتور راند بول؛ فهي أولا تعترف بأن العقوبات كان لها الدور الرئيس في جلب إيران إلى طاولة المفاوضات، لكن مع ذلك تجادل الآن بأن إبقاء سيف العقوبات مصلتاً على إيران لإرغامها على التوصل إلى اتفاق شامل ونهائي حول برنامجها النووي، قد يؤدي إلى الحرب! ولا يهم إن كان ما تقوله كلينتون يتطابق، وللمفارقة، مع الأطروحات الإيرانية، المهم هو ما يكرره أوباما ومعه كلينتون والسيناتور بول ووزير الخارجية، كيري، من أن الخيار العسكري غير مطروح بالمرة! فقد سبق لأوباما قبل مدة أن أكد أن الولايات المتحدة تحت رئاسته لن تستخدم مرة أخرى السلاح والقوة، ليبقى الخيار بين تشديد العقوبات في حال فشلت المفاوضات مع إيران، وبين ترك المهمة لإسرائيل لمنع امتلاك الإيرانيين للسلاح النووي. وفي كل ذلك، ومن ناحية سياسية، ظهرت كلينتون التي تنتظر على ما يبدو فرصتها للانقضاض على البيت الأبيض، وكأنها السيدة الانتهازية التي تترقب المناخ السياسي في واشنطن وفي أي اتجاه ستهب الرياح لاتخاذ قرارها. وربما في هذا الإطار جاءت رسالتها التي ضمنتها رأيها بشأن إيران. لكن الغريب أن موقفها المباشر والصريح قد يحرجها مستقبلا، فهي لن تستطيع التنصل من مسؤوليتها إذا ما انتهت المفاوضات مع النظام الإيراني إلى الكارثة وفشلت السياسة الخارجية التي اعتنقتها واستماتت في الدفاع عنها، وحتى إذا كان الناخبون اليساريون ضمن الكتلة الحرجة للحزب الديمقراطي لا يأبهون كثيراً لهذا الإخفاق لأنهم سيصوتون على كلينتون في جميع الحالات، فإن خسارة إيران مرة أخرى ستقود بكل تأكيد إلى إقصائها من الرئاسة. أما من ناحية العلاقة مع إيران، فقد أضعفت الإدارة بسياستها الرافضة للضغط من خلال العقوبات موقفها بعدما تعهدت بعدم السماح لإيران بالوصول إلى عتبة امتلاك السلاح النووي. لذا ليست المشكلة في العقوبات ذاتها، بل في مجمل السياسة الأميركية تجاه إيران التي تبقى منفصلة تماماً عن الأهداف والغايات التي حددتها الولايات المتحدة. ففي غياب معجزة تُنجح سياساتهم، سيدخل أوباما وكلينتون وبول وباقي المناهضين للعقوبات، التاريخ بوصفهم مَن قادوا في النهاية إما إلى الحرب أو إلى إيران نووية. ------ جينفر روبين كاتبة ومحللة سياسية أميركية ------- ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست بلومبيرج نيوز سيرفس»