لا يوجد أمر يشغل بال القائمين على الصناعة الصحفية أكثر من القلق على مصير الصحف الورقية في ظل ثورة الإعلام الرقمي الجديد، وصعود نجم الوسائل الاتصالية الحديثة من شبكات التواصل الاجتماعي والهواتف الذكية والأجهزة اللوحية المرتبطة بالإنترنت. صحيح أن رأي المتفائلين الذين يرون أن الصحافة الورقية لن تندثر لكنها ستتراجع لصالح الصحافة الإلكترونية والتلفزيون، هو الأقرب إلى الواقع. فالصحافة الورقية حسب رأيهم تمر بمرحلة مراجعة وإعادة تقييم الذات، ومحاولة الاستفادة من تحديات الإعلام الجديد والتعامل معها بوصفها فرصاً لتطوير العمل لا تهديداً بزوال عرشها كأهم وسيلة اتصال جماهيري، وهي الصفة التي تربعت عليها لقرون. ولكن في المقابل، فإن المتشائمين يرون أن الصحافة الورقية أمامها سنوات قليلة قبل أن تختفي في الدول المتقدمة مثل الولايات المتحدة وبعض البلدان الأوروبية بعد أن تخسر أهم مقومين لبقائها، وهما الجمهور الذي لن يقبل بفكرة تقليب الجريدة الورقية كل صباح، وكذلك المعلن الذي سيتحول إلى الإعلان الإلكتروني الذي يصل إلى جمهور أوسع مع إمكانية تحديد الشريحة المستهدفة بشكل أفضل من الإعلان في الصحف المطبوعة. وإذا ما خسرت الصحف الجمهور وخسرت المعلن، وهما أمران واقعان لا محالة، فإنها بلا شك ستختفي من أكشاك البيع بعد أن يصبح إصدارها أمراً غير مجدٍ من الناحية الاقتصادية. وفي الوقت الذي تتعرض فيه الصناعة الصحفية في الغرب لأزمات ومشاكل مالية وشبح الإغلاق، فإنها في دول مثل الصين والهند ودول الخليج وأميركا اللاتينية، وفي اقتصادات أخرى نامية، تشهد استقراراً وأحياناً ازدهاراً، ما يدل على أنه من الخطأ تعميم أزمة الصحافة في الغرب على بقية دول العالم. والمؤسسات الصحفية في دول الخليج، خاصة العريقة والراسخة، لا تواجهها مشاكل مالية كونها تحقق ربحية وعوائد إعلانية مجزية. فبحسب دراسات سوق الإعلانات في دولة الإمارات، فإن الإنفاق الإعلاني في الصحف بالإمارات بلغ 800 مليون درهم عام 2013 مستحوذة على حصة 57,5% من إجمالي الإعلانات التي تشمل المجلات والإعلانات الخارجية والتلفزيونية والإعلانات الرقمية. كما أن إعلانات الصحف في صدارة الإنفاق الإعلاني في دول أخرى كالسعودية والكويت، وتوضح المؤشرات أن إعلانات الصحف ستظل مستحوذة على سوق الإنفاق الإعلاني لسنوات عدة. وهذا يعني أن المعلن لا يزال يرى أن التأثير الإعلاني للصحف أفضل من غيره في الترويج للسلع والمنتجات. بالإضافة إلى أن نسبة كبيرة من إعلانات الصحف تأتي من مصادر غير تجارية مثل إعلانات التعازي والتهاني وإعلانات الدوائر والمؤسسات الحكومية. وإذا كانت المؤسسات الصحفية الخليجية غير قلقة من عدم تحقيق الربحية لسنوات عدة قادمة كما تشير إلى ذلك مؤشرات سوق الإنفاق الإعلاني، فإن التهديد الأكبر بالنسبة لها هو كسب جيل الشباب البارع في استخدام التكنولوجيا، خاصة أنهم يشكلون النسبة الأكبر في الديموغرافية السكانية للمجتمعات الخليجية مقابل الجيل الأكبر سناً الذي نشأ وتعود على مطالعة الصحف الورقية. يتعين على المؤسسات الصحفية الخليجية أن تباشر جدياً في عملية التقارب بين الإعلام التقليدي والرقمي، وأن تقدم محتوى إعلامياً أكثر تفاعلية وتنوعاً، ودمج الوسائط المتعددة في المحتوى، وكذلك الاهتمام بسرعة نشر الأخبار العاجلة وتحديثها أولاً بأول كلما توافرت معلومات إضافية، مع إبقاء الصحيفة الورقية للتحليل والمقالات المتعمقة والتقارير المفصلة، واستخدام مختلف التطبيقات والقنوات للوصول إلى مختلف شرائح الجمهور. إن المؤسسات الصحفية تواجهها اليوم تحديات عديدة، أهمها تطوير كوادرها من الصحفيين، خاصة أن الكثير منهم يحتاج إلى إعادة تأهيل تواكب عصر الإعلام الإلكتروني ونموذج الصحفي الشامل الذي يمتلك مهارات مهنية متعددة، وليس فقط القدرة على التواصل مع المصادر في كتابة خبر أو تقرير صحفي.