أكدت قطر على لسان وزير خارجيتها الدكتور خالد بن محمد العطية أن «السياسة الخارجية لقطر تؤخذ دائماً عبر القنوات الرسمية للدولة، فسياسة قطر لا تؤخذ عبر وسائل الإعلام أو بعض المنابر هنا وهناك»، مشدداً على أن ما قيل على لسان القرضاوي «لا يعبر عن السياسة الخارجية لدولة قطر». وهو أول رد فعل رسمي من قبل قطر تجاه التصريحات المشينة التي وجهها القرضاوي من من مسجد عمر بن الخطاب بالدوحة في خطبة الجمعة تجاه دولة الإمارات. رد فعل وجدته الأوساط الشعبية الإماراتية غير كافٍ ولا يرقى لجريرة القرضاوي بالتعدي على إسلام دولة الإمارات، ولا للعلاقات الأخوية بين دولة الإمارات ودولة قطر الشقيقة. لعل الحدث مناسبة لطرح العديد من الأسئلة حول السياسة القطرية وعلاقة الحكومة القطرية بجماعة «الإخوان المسلمين» وطبيعة الدور القطري بعد تولي الشيخ تميم مقاليد السلطة، فهل ستنأى السياسة القطرية عن دعم جماعة «الإخوان»؟ وهل انتهى التأثير القطري في السياسة العربية؟ نطرح تساؤلاتنا مدخلاً لفهم مجريات السياسة الخارجية القطرية؛ فاختلاط الدوافع الاستراتيجية والأمنية والأيديولوجية في السياسة الخارجية القطرية لا يزال مثار خلاف. لقد كان تولي الشيخ تميم بن حمد آل ثاني خلفاً لوالده الشيخ حمد فرصة لإعادة النظر في سياسة قطر تجاه جيرانها في دول مجلس التعاون وفي محيطها العربي، وأعتقد الكثيرون بأن إبعاد مهندس الدبلوماسية القطرية الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني من شأنه أن يقلص من دعم قطر لـ«الإخوان». لقد سطع نجم السياسة القطرية إبّان حكم الشيخ حمد، فصنعت قطر قناة «الجزيرة» كمشروع سياسي بطابع إعلامي وأنفقت على مشروعها ببذخ واستقطبت أفضل الكوادر الإعلامية، فكانت قناة الرأي والرأي الآخر التي لعبت دوراً فاعلاً في تغيير المشهد الإعلامي والسياسي العربي. وعبر ما يزيد على خمسة عشر عاماً طوّرت السياسة القطرية ذراعها الإعلامية لتحقيق أهدافها السياسية، واستكملت الدور الإعلامي القوي لـ«الجزيرة» بأجندة دبلوماسية طموحة، فظهرت قطر كوسيط في الصراعات الإقليمية، وامتدت رقعة الوساطة القطرية من الصحراء الغربية وليبيا ودارفور وفلسطين ولبنان واليمن، إلى إثيوبيا وإريتريا. كما أقامت علاقات مع إسرائيل، وكذلك مع إيران و«حماس» و«حزب الله». وعملت الدوحة على تأكيد مكانتها باعتبارها الدولة التي لها علاقات جيدة مع الجميع في المنطقة. على مدار السنوات الماضية بنت الدوحة علاقات قوية مع جماعات الإسلام السياسي وخلقت علاقات سرية وعلنية مع مختلف قوى المعارضة الإسلامية، وعلى رأسها «حماس» و«الإخوان» وواءمت في سياستها الخارجية بين المتناقضات؛ فهي تدعم جماعات الإسلام السياسي وتستضيف مكتب التمثيل الإسرائيلي والقواعد الأميركية. وعلى مدار السنوات الماضية بنت قطر قاعدة متينة من العلاقة مع «الإخوان» واستضافت العديد من رموزهم، وخلقت منهم نجوماً إعلامية وحولت قناة الجزيرة القرضاوي من زعيم ديني مصري إلى أهم مفتٍ في العالم من خلال برنامجها الأسبوعي «الشريعة والحياة»، وأصبحت الدوحة منارة لفكر «الإخوان» دون أن يكون لهم تأثير فعلي في الداخل القَطَري. وجدت قطر نفسها في طليعة الدول الداعمة للثورات العربية وعملت على أن يكون لها دور محوري في تشكيل مستقبل العالم العربي، واتخذت التغطية الإعلامية لـ«الجزيرة» طابعاً تحريضياً، وفي نهاية المطاف تخلت قطر عن لعب دور الحياد بالكامل لصالح موقف مع أو ضد بعض اللاعبين في المنطقة. ففي ليبيا دفعت الدوحة جامعة الدول العربية لتعليق عضوية طرابلس، وعملت على فرض منطقة حظر طيران من خلال مجلس الأمن، وأرسلت المال والسلاح والوقود للمتمرّدين الليبيين، وفي يوم سقوط نظام القذافي رفع الثوار الليبيون إلى جانب علمهم على مقر القذافي السابق العلم القطري، لكن ليبيا كانت أول المنقلبين على الدور القطري، حيث استنكر مسؤولون ليبيون الدعم القطري لطرف ليبي ضد بقية الأطراف بالمال والسلاح، وأنها بتمويلها الإسلاميين تخل بالتوازن السياسي الداخلي. وفي مايو 2013 تظاهر العديد من الليبيين في مدينتي طبرق وبنغازي للتنديد بما اعتبروه تدخلاً قطرياً في الشؤون الداخلية لبلادهم، وأحرقوا العلم القطري، وكذلك كانت أغلب دول الثورات العربية، حيث شهدت أزمة مع قطر تتفاوت في حدتها. وفيما يخص مصر، أصدرت وزارة الخارجية القطرية بياناً تستنكر اعتبار جماعة «الإخوان» جماعة إرهابية، حيث استدعت وزارة الخارجية المصرية السفير القطري بالقاهرة للاحتجاج على البيان القطري، وشهدت الميادين المصرية إحراق العلم القطري والهجوم الإعلامي الشديد على قناة «الجزيرة» لتحريضها وانحيازها الواضح لـ«الإخوان» بعيداً عن الحرفية. ووصلت العلاقات المصرية القطرية اليوم للحضيض. أما في تونس، فقد اتهمت الحكومة بأنها خاضعة لـ«استعمار قطري». وفي أبريل 2013، أحرق متظاهرون العلم القطري. وفي سوريا كانت قطر رائدة في الدعوة للتدخل العسكري ودعمت المعارضة السورية سياسياً وعسكرياً وعملت على منح مقعد سوريا بالجامعة العربية للمعارضة، إلا أن الدور القطري في سوريا قد يشهد تحجيماً، خاصة بعد استقالة غسان هيتو رئيس الحكومة السورية المؤقتة وانتخاب أحمد الجربا المقرب من السعودية رئيساً للمعارضة السورية. لقد شهدت دول «الربيع العربي» أزمات سياسية مع قطر أو ظهرت بوادرها شعبياً، فقد انتهت حقبة التأثير القطري في الساحة العربية وأصبحت قطر ضحية ثورات أشعلت نيرانها. وعوداً على بدء، لقد قال وزير الخارجية القطري إن «أمن دولة قطر من أمن دولة الإمارات والعكس صحيح، وأمن دول الخليج لا يتجزأ». لقد ظلت السياسة القطرية تدعم «الإخوان» لحد وصف المشروع القطري بالمشروع الإخواني، وكان لسقوط التجربة الإخوانية في مصر تأثير بالغ على المشروع القطري وعلى جني ثمار الدعم المقدم لأحزاب «الإخوان» في تونس ومصر وليبيا، وهو مأزق السياسة القطرية الراهنة. وسيتصاعد المأزق القطري خليجياً إنْ لم تعمل الحكومة القطرية على ترميم علاقاتها مع الدول الخليجية وتتخلى عن المشروع الإخواني طالما أنه لا يخدم السياسة القطرية ولا الاستقرار في المنطقة.