"إخوان الخليج" والمعهد العالمي للفكر الإسلامي
ثمة وعيٌ جديدٌ يتشكل لدى دول الخليج العربي باستثناء واحدة هي قطر، هذا الوعي مفاده أن حركات العنف الديني وحركات الإسلام السياسي هي في نهاية المطاف حركات معادية لدول الخليج.
قام الإعلامي داود الشريان بعرض حلقتين من برنامجه «الثامنة» تناول فيها بعض نجوم الفضائيات ممن يسمّون بـ«الدعاة» ومدى مسؤوليتهم عن الزج بشباب الخليج في أتون الحروب، وقامت دولة الإمارات العربية المتحدة من قبل بمحاكمة المنتمين لـ"القاعدة" أو لـ"الإخوان المسلمين"، وقد أعلنت مصر مؤخراً جماعة "الإخوان" جماعةً إرهابيةً، وهي تطلب من الدول العربية ودول العالم أن توافقها على هذا التوصيف القانوني للجماعة، وبدأ قبل يومين في المملكة العربية السعودية تطبيق نظام «مكافحة الإرهاب وتمويله».
في دول الخليج رموزٌ وتنظيماتٌ وتياراتٌ مواليةٌ لجماعة "الإخوان"، وقد كان بعضهم يقوم برحلات مشهودةٍ لدول الاحتجاجات العربية ويلتقي بالأصوليين فيها من جماعات العنف وجماعات الإسلام السياسي، وكان يحيط ببعضها احتفاءاتٌ مبالغٌ فيها، وهي رحلاتٌ مجدولةٌ ومنظمةٌ وبعضها معلنٌ وملء السمع والبصر، وقد كان واجباً أن تثير تلك الرحلات واللقاءات العلنية والسرية التساؤلات المشروعة عن غاياتها وأهدافها وطبيعة علاقة تلك الشخصيات بها.
قام هؤلاء ويقومون بتقديم كافة الخدمات لتنظيمات الإرهاب في دول الاحتجاجات العربية وهي خدماتٌ على أكثر من مستوى، وأهمها ثلاث: الأولى، الخدمات المالية الضخمة التي يجب التحقيق في مصادرها وآليات جمعها ووسائل تحويلها. الثانية، خدماتٌ تنظيرية دينياً وإعلامياً وثقافياً. وهذه يدخل فيها بعض «الليبرو إخوان» في دول الخليج. ثالثاً، الخدمات التحريضية من خطابةٍ ووعظٍ واستخدامٍ لمواقع التواصل الاجتماعي على الإنترنت.
من قبل، كانت الخطابات الدينية والثقافية التي تخدم "الإخوان" لها صيغ متعددة، فبعيداً عن خطاب "الإخوان" أنفسهم كجماعةٍ وتنظيمٍ، كان ثمة خطاباتٌ أخرى منها: الأول، خطاب الفقه الموالي للجماعة وإنْ لم يكن منخرطاً فيها تنظيمياً كخطاب محمد الغزالي والقرضاوي في مرحلة ما بعد التنظيم ونحوهما. الثاني، خطاب "اليسار" الإسلامي الذي كان يعبّر عنه عددٌ من الإسلامويين من خارج "الإخوان" والتي تمثل في مجملها امتداداً لأطروحاتٍ إخوانية قديمةٍ تلك التي سعت إلى صناعة «اشتراكية إسلامية»، ويمثل هذا التيار محمد عمارة وحسن حنفي في مرحلة ما وأحميدة النيفر وغيرهم. الثالث: خطاب الإخوان الجدد بأميركا في مرحلةٍ سابقةٍ، ويمثل هذا الخطاب طروحات كلٍ من: محمد فتحي عثمان وحسان حتحوت. الرابع: خطاب المعهد العالمي للفكر الإسلامي، الذي قدّم انفراجاتٍ وتعزيزاتٍ لخطاب الإسلام السياسي، وخلق وتبنى نظرياتٍ وتوجهاتٍ تصب في خدمته، ومن رموزه طه جابر العلواني وعبدالحميد أبو سليمان وغيرهما، وقد سعى المركز عبر ما يتبعه من جامعاتٍ وفروعٍ ومكاتب إلى إعادة تفسير القرآن وإعادة قراءة العهد النبوي، ومواءمة الأفكار الغربية الحديثة مع الفكر الإسلاموي من جهةٍ عبر «إسلامية المعرفة» كما هي الكتب التي نشرها والمجلة التي يصدرها، مع نشر ورعاية ما يعرف بـ «نظرية التحيز» التي بدأها عبدالوهاب المسيري واستقطاب مثقفين من داخل الإسلامويين ومن خارجهم لتأييدها والدفاع عنها في شتى الفنون والعلوم. والمركز يعتبر امتداداً لمخاطبة الغرب ومناقشته وهو ما بدأه "الإخواني" سعيد رمضان و ابنه طارق رمضان. الخامس: خطاب من يعتنون بعلوم التطوير الذاتي أو الإداري، وهي على حياد بعضها وصحته إلا أنه تمّ استغلالها لخدمة الإسلام السياسي وجماعاته، ولئن كانت «أكاديمية التغيير» في قطر قدّمت مثالاً صارخاً، فإن أمثالها العشرات في دول الخليج.
السادس، خطاب الإعجاز العلمي في القرآن، ومثله في السنة، وهو خطابٌ بدأت إشاراتٌ له مع حسن البنّا كان يسعى فيها دائماً لإرسال رسائل لأتباعه بأنّ دعوته مؤيدة ٌ من السماء، وكان يستخدم فيها الرؤى والأحلام لبث شعورٍ لدى أتباعه بأن آيات القرآن الكريم إنما نزلت فيهم، وذلك عبر التوظيف الذكي لتلك الآيات في سياق واقعه، وهو ما فعله كثيرون قبله وبعده. وهو قد استعان في ذلك بالأزهري طنطاوي جوهري الذي توسع في تعزيز هذه الفكرة. وقد كتب بعض الرموز الإخوانية كتباً وبثوا خطاباً يعزّز هذا التوجه ومن أشهرهم الإخواني اليمني المعروف عبدالمجيد الزنداني في كتابه «توحيد الخلاّق» ومثله وأشهر منه في هذا المجال الإخواني زغلول النجار وترهاته المتواصلة حول هذا الموضوع.
قديماً، وكخلفيةٍ سريعةٍ فقد جاء الإسلام كدينٍ يرسم لأتباعه سبيل الطهر الديني والخلاص الأخروي، وهو كغيره من الأديان يوجب على معتنقيه الإيمان الذي يقتضي التصديق والاتباع، وينهى عن كثرة الأسئلة، ولهذا لم يرد في القرآن من الأسئلة إلا تسعة أسئلةٍ فقط في فترةٍ تمتد لثلاثةٍ وعشرين عاماً.
ثمّ مع توسع الدولة بدأت تكثر التساؤلات، وكان شيئاً من الجواب يأتي من كعب الأحبار وأمثاله الذين يقدمون عبر الروايات الإسرائيلية تفسيراتٍ وتفصيلاتٍ لما هو مجملٌ في النص القرآني، وهي مرحلة استدخال الديانات الإبراهيمية في الإسلام أو العلوم الإسلامية.
ثمّ حين احتكت الأمة الإسلامية بغيرها من الحضارات الرومية في الشمال، والفارسية والهندية في الشرق، بدأ تحدّي الأسئلة يجبر العلماء المسلمين أو بعضهم على الأقلّ للتفتيش عن عقلنة الإسلام فخرج علم الكلام وهو علمٌ يسعى لعقلنة الإيمان الإسلامي ضمن ظروفٍ وسياقاتٍ متعددة أخرى. وكما كان علم الكلام مواجهةً لتحدٍ حضاريٍ فقد كان باباً للتوسّع لاحقاً في الفلسفة بعد اتجاه الرشيد لترجمة التراث الفلسفي اليوناني الذي أكمله بتوسعٍ وتأثير المأمون الذي انحاز للمعتزلة ضد الحنابلة.
كلّ هذا أتى ضمن سياق «عقلنة الإيمان» في الإسلام، التي تعني خلط الدين الثابت بالعالم المتطوّر بطبيعته، كما تمثل في الآن ذاته محاولة تطوير الإيمان ليصبح مقنعاً لاتباعه للمحافظة عليه وحمايته، وصولاً إلى تيارات الأسلمة والإعجاز المذكورة أعلاه.
أخيراً، فإن ثمة مراكز بحثية ودور نشرٍ، ومراكز تطويرٍ وتدريبٍ، وقنوات فضائية، وصحف ومجلات، ومواقع إنترنتية، وإسلاميين ومثقفين، يسعون من داخل دول الخليج وبتمويل من بعضها، إن لم يكن لخدمة الإسلام السياسي وجماعاته بشكل مباشرٍ لفتح الآفاق أمامه ولمنحه كل التبرير لتصرفاته وقراراته وضمان مستقبله، وخطورة تفشي هذه الظاهرة هو أنها لا تجد ما يقابلها من كل الأنواع المذكورة ما يوجب التبصر والحذر.