كيف نبني جيلاً متطرفاً
التطرف في أسهل معانيه يعني الابتعاد عن الوسط، وهو أحد أهم أسرار المشاكل التي تعاني منها الكثير من دول العالم العربي، واشتركت في بنائه الكثير من العوامل والجهات، لعل أهمها الجماعات الدينية وأنظمة الحكم الاستبدادية.
الفطرة السوية هي الأصل في بناء الإنسان، فطرة الله التي فطر الناس عليها. روى البخاري في صحيحه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلاَّ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ)، هذا الحديث يشير إلى السواء في بناء الإنسان لكن عوامل تربوية تحوله عن فطرته، وفي مقالنا هذا تنقله من الوسطية إلى التطرف، اسمحوا لي أن أقدم من وجهة نظر تربوية بعض الممارسات في الجماعات الدينية، وعند بعض أنظمة الحكم العربية التي أسهمت في تزايد هذه العقلية.
أهم نقطة في فكر التطرف هي رفض مبدأ وجود فكر آخر، أو احتمالية تعدد أوجه الصواب، فبالرغم من أن الدين الإسلامي يتميز بهذه السمة التي مثلت جوهر الحضارة الإسلامية قديماً، إلا أن الممارسات الفعلية أخرجت هذا الدين عن جوهره، ففي مسائل العقيدة وهي الأهم نجد أن الإسلام أعلن حق الإنسان في اختيار طريقة تدينه بعد أن تبين الحق قال تعالى لا إكراه في الدين، قد تبين الرشد من الغي، فإذا كانت مسائل العقيدة كذلك، فإن حرية الإنسان في التفكير واتخاذ ما يراه مناسباً هي من أصول بناء الحضارات التي تأخرنا عنها كثيراً، في الجماعات الإسلامية يتربى الجيل على رأي واحد هو أمر المرشد أو الأمير، وكل من يخالف ذلك الرأي قد شق عصا الطاعة وخرج على الجماعة، الأمر كذلك في بعض الدول العربية الحزبية، فهناك حزب حاكم واحد خالد لا ينبغي التشكيك في توجهاته وآرائه، وكل من فعل ذلك اتهم بالعمالة لدول أجنبية وتطبق عليه أقصى العقوبات القانونية أو غير القضائية.
الأمر الآخر الذي قاد إلى التطرف هو التعامل مع الناس على أساس أنهم أغبياء لا يعرفون إلا ما يراد لهم معرفته، وليس لديهم حق البحث عن المعرفة أو التفكير المنطقي الناقد الذي أسهم كثيراً في إبداعات البشرية عبر القرون المختلفة. ففي زمن انتشار الخبر وتعدد وجهات النظر تمارس بعض الدول العربية سياسة الإعلام الغبي الذي يخاطب الناس كبلهاء وليسوا شرفاء أو أذكياء... هذا الخطاب أبعد الناس كثيراً عن الإعلام الحكومي، لأن خطابه لا يناسب زمانه ودفعهم إلى البحث في قنوات التواصل الأخرى مما زاد الفجوة بين الإنسان وحاكمه وجعله يبتعد من الوسط إلى أحد جوانب الطرف. فمن يقرأ ما يُكتب في قنوات التواصل الاجتماعي عبر الأجهزة الذكية يلمس تلك الخطورة، التي قد تبدأ بشرارة «هاشتاج» تنطلق بعدها عبارات اللاوسطية من جانبي الصراع، الأمر الذي زاد الطين بلة أن بعض الحكومات تعامل شعبها كأغبياء لذلك حكمت على نفسها بالفناء، الجماعات الدينية من جانب آخر تربي جيلاً شعاره كن كالميت بين يدي مغسله، فأنت تقرأ فقط كتب الجماعة وتحضر محاضرات قادتها ومفكريها، وكلما تهجمت على من يخالف توجهاتها كنت أحد أهم رموزها وإنْ تعمقت في الطاعة ترقيت في مجالس تلك الجماعة، هنا تبرز خطورة ضياع الحق عند ابتعاد الناس عن الأصول من القرآن وقول الرسول عليه الصلاة والسلام، إلى تقديس فكر بشر مهما بعد به النظر، هذا الفكر مرتبط بزمانه ومكانه، ولا يتناسب مع تغيرات الأزمان والأوطان، التطرف شر لابد من التعامل معه بحذر وذكاء كي نحمي أجيالنا من مخططات الأعداء.