الصحافة الفرنسية
استقطاب روسي أوروبي في أوكرانيا... وسياسة قائد «التايتانيك» في إسرائيل
عدم استفادة أوباما سياسياً من تحسن أوضاع الاقتصاد الأميركي، واستمرار أزمة أوكرانيا في ظل التجاذب الروسي الأوروبي بشأنها، وتزايد عزلة إسرائيل بسبب عناد نتنياهو، ثلاثة موضوعات دولية استقطبت اهتمام الصحافة الفرنسية.
مأزق أوباما
نشرت صحيفة «لوموند» افتتاحية بعنوان «الضعف السياسي لباراك أوباما»، قالت فيها إن موقف الرئيس الأميركي لا يخلو من غرابة. فالاقتصاد يسير بوتيرة أفضل، كما دلت على ذلك، في يوم الخميس الماضي، 30 يناير، آخر الأرقام الصادرة عن معدلات النمو التي سجلت نسبة 3,2 في المئة. كما أن الولايات المتحدة تخرج الآن من حربين مكلفتين وضائعتين موروثتين عن بدايات القرن الحالي. كما أن واشنطن هي من أطلق المبادرة الدبلوماسية الوحيدة المطروحة راهناً لتهدئة أوضاع الشرق الأوسط -التفاوض مع إيران. وكذلك أصبحت الشركات الأميركية الكبرى تتصدر الأفق الصناعي والتقني الدولي، وتسير بخطى حثيثة في تشكيل ملامح المستقبل. وأكثر من هذا أن العملة الأميركية في حال جيد الآن في الأسواق، وهذا مؤشر لا تضعه الدول البازغة في الحسبان بالقدر الكافي. وباختصار شديد، فإن كثيراً من رؤساء الدول والحكومات الغربية يتمنون لو كانوا في مكان أوباما، خاصة زعماء العواصم الأوروبية، وبشكل أخص في باريس. ومع هذا لا يستفيد الرئيس الأميركي سياسياً من كل هذه المزايا وأوجه القوة الكثيرة. ولا أدل على ذلك من تراجع شعبيته في استطلاعات الرأي: فقد قال 40 في المئة فقط من المستطلعة آراؤهم إنهم راضون عن أدائه. وهي نتيجة هزيلة ولا تتناسب مع أدائه وبلائه الحسن، خاصة على صعيد جبهة الاقتصاد، تماماً مثلما أن نسبة الاهتمام بخطابه عن «حالة الاتحاد» يوم الثلاثاء الماضي، 28 يناير، كانت متدنية وضعيفة بشكل لافت أيضاً.
وفي سياق متصل، نشرت «لوموند» كذلك مقالاً آخر بمناسبة مغادرة رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي «بن برنانكي» منصبه خلال هذا الأسبوع، مبرزة الدور الكبير الذي لعبه في احتواء تداعيات الأزمة المالية الأخيرة، بما منعها من التصاعد لتتكشف عن كساد عالمي جارف، كما وقع في أزمة 1929 المالية العالمية. واعتبرت الصحيفة أن هذا الرجل كان اقتصادياً استثنائياً بالنسبة لإدارة أوباما التي أنقذها من الغرق في وحل أزمة مالية طاحنة، ولذلك فإن ذهابه الآن يتركها يتيمة بهذا المعنى، على رغم ما قيل عند تعيينه أصلاً سنة 2006 من أنه لن يستطيع رفع أعباء مهمته بحكم كونه أستاذاً جامعياً وأكاديمياً ويأتي من خارج السوق المالية وأجوائها، ولكنه أثبت خلال السنوات الماضية كفاءة استثنائية، ساعده عليها، دون شك، كونه متخصصاً أصلاً في دراسة تداعيات أزمة 1929.
تطلعات أوكرانيا الحقيقية
تحت هذا العنوان حلل الكاتب بيير روسلين في افتتاحية لصحيفة «لوفيغارو» أبعاد التجاذب الراهن بين أوروبا وروسيا، خاصة على خلفية افتراق مواقف الطرفين إلى حد بعيد، تجاه الأزمة الأوكرانية المتفاقمة. وقد بدا ذلك في أوضح صوره خلال القمة التي جمعت الطرفين يوم الثلاثاء الماضي بحضور الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ومع أن اللقاء تم اختزاله في «غداء عمل»، إلا أنه بدا جلياً أنه لا الروس ولا الأوروبيون يملكون تصوراً واضحاً أو رؤية استراتيجية عن مستقبل التعاون أو عما ينبغي أن تكون عليه العلاقات فيما بينهم، وهذا أمر حيوي بالنسبة لمستقبل القارة الأوروبية. وبطبيعة الحال، فقد كان الموضوع الوحيد المطروح على طاولة المحادثات هو الأزمة الأوكرانية، ولكن دون التمكن من التوصل إلى مشتركات أو مواقف منسقة من شأنها الحيلولة دون المزيد من التصعيد بما قد يجنح بأوكرانيا نحو حالة احتقان قد تخرج في النهاية عن السيطرة.
واعتبر الكاتب أن أحوال الصراع السياسي في أوكرانيا لم تكن لتصل إلى هذه الدرجة من الحدة لو كان هناك قدر ولو بالحد الأدنى من الحوار بين الكرملين والعواصم الأوروبية. وقد بدأت الأزمة بعد مشروع اتفاقية الشراكة التي عرضتها بروكسل على كييف، دون أن تضع في الاعتبار رد الفعل المحتمل من قبل موسكو التي تدخلت بقوة دون أن تضع هي أيضاً في الاعتبار مطالب المحتجين في ساحات العاصمة الأوكرانية. وبعد ذلك أصبحت هنالك ثلاثة أمور بالغة الوضوح. أولها أن المحتجين لم يعودوا يرفعون مطلب انضمام بلادهم إلى الاتحاد الأوروبي كأولوية. وقد صاروا يرفعون مطالب محددة فقط منددين بما يقولون إنه فساد يشوب أداء نظام بلادهم، مطالبين بدولة قانون ونظام ديمقراطي يحترم التعددية وتكافؤ الفرص. وأخيراً لم تعد التظاهرات والاحتجاجات ومظاهر الاحتقان مقتصرة على الأجزاء الغربية فقط من أوكرانيا، وهي من الناحية التاريخية الأشد ارتباطاً بأوروبا الغربية. وكان السبب في ذلك أن التركيز في الاحتجاجات بات منصباً على قضايا الديمقراطية والقيم المشتركة، وهذا يلقى أيضاً قبولاً وأصداء في الأجزاء الناطقة بالروسية الواقعة في شرق وجنوب أوكرانيا، وهي عادة مناطق موالية لنظام الرئيس يانوكوفيتش.
ومن البديهي، يقول الكاتب، إن نموذج دولة القانون الذي يحلم به المجتمع الأوكراني هو أشد قرباً من نموذج البلدان الأوروبية أكثر من النموذج الذي يقترحه بوتين. ولذا ينبغي التنبه إلى أن الانتفاضة ترفع شعارات وطنية ديمقراطية، وهذا هو الأهم. وهو ما يعطيها دلالة بالغة الرمزية، ويجعلها قابلة لتحقيق نتائج كبيرة بالنسبة لمستقبل نظام الحكم في أوكرانيا، وأيضاً فيما وراء حدودها الشرقية.
ومما لا يخلو من دلالة كبيرة في سياق التجاذب الداخلي الأوكراني، الإعلان عن سحب القوانين الحادة من الحريات العامة التي كان برلمان كييف قد مررها. ويعد سن تلك القوانين أحد أكبر أخطاء نظام يانوكوفيتش. فبدلاً من العمل لإيجاد نوع من التفاهمات والتسويات مع المعارضة الأوكرانية، آثر النظام تبني النهج السلطوي، يقول الكاتب، كما لو أن شيئاً لم يتغير عن العهد السوفييتي ومنذ حقبة حالة الطوارئ التي فرضها في بولندا الجنرال ياروزلسكي، في ديسمبر 1981. ولكنه عرف الآن أن أوكرانيا لم تعد تعيش وراء جدار مغلق. ولم يكن طبعاً بعض الأثرياء الأوليغارشيين الذين يدعمون النظام يريدون رؤية امتيازاتهم وهي تتلاشى، خاصة بعدما أوشكت التوجهات السلطوية على الدفع بالبلاد إلى حافة الرعب والحرب الأهلية. ولذلك مارس بعض هؤلاء الأثرياء ضغوطاً وبذلوا جهوداً لكي يلغي البرلمان تلك القوانين الحادة من الحرية، والمثيرة للجدل، التي كان قد مررها منذ أيام.
وفي الأخير، قال الكاتب إن مستقبل أوكرانيا لا يتقرر في موسكو ولا في بروكسل وإنما يتقرر في كييف. والأمل ألا تؤدي تدخلات أوروبا وروسيا لمفاقمة مشاكل الأوكرانيين. ومع ما في يد روسيا من أوراق ضغط قوية، إلا أنها لا تستطيع أيضاً فرض إرادتها على الشعب الأوكراني. وأما أوروبا فحالة أخرى، لأن الأوكرانيين يعرفون جيداً أن اقتصاد بلادهم على شفا الهاوية، وأن بروكسل ليست لديها الإمكانية لتمويله، ولا حتى لعرض العضوية عليهم.
عزلة إسرائيل
في تحليل بعنوان «نتنياهو مشلول في مواجهة تزايد عزلة إسرائيل»، قالت صحيفة «لوموند» إن قادة الأحزاب الإسرائيلية باتوا يقارنون رئيس وزراء حكومتهم بقائد سفينة «التايتانيك»: فمثل القبطان إدوارد سميث الذي ظل يتجاهل كل رسائل التحذير من الكتل والجبال الثلجية الجاثمة على طريقه في المحيط، ما زال نتنياهو هو أيضاً يصم أذنيه عن سماع تحذيرات من يرأسهم في إسرائيل، متجاهلاً الكارثة الدبلوماسية التي يمثلها أي فشل نهائي لحل الدولتين، مع ما سيترتب على ذلك حتماً من عزلة دولية مطبقة على إسرائيل.
وفي سياق العزلة المتنامية، يبدو أن ألمانيا وهي أقرب حلفاء الدولة العبرية في القارة العجوز، قررت مؤخراً ضرب مثل لبقية شركائها في الاتحاد الأوروبي، وذلك حين أعلنت أن شركات التقنية المتقدمة الإسرائيلية الموجودة داخل المستوطنات في القدس والضفة الغربية المحتلة لن يكون في مقدورها الاستفادة من أي تمويل ألماني. وستكون لهذا تداعيات اقتصادية ملموسة. وسيزداد تضييق الخناق أيضاً فيما يتعلق ببعض أوجه الشراكة بين إسرائيل والاتحاد الأوروبي. وكانت هولندا سباقة في بدء ظاهرة مقاطعة بعض منتجات إسرائيل، كما أن هنالك صناديق أوروبية وجامعات أميركية قررت هي أيضاً عدم التعاون بأي شكل مع أية جامعات إسرائيلية موجودة في المستوطنات. وفي المجمل، فإن عزلة إسرائيل تتفاقم ومواقف المجتمع الدولي إزاءها تزداد صلابة يوماً بعد يوم، وهو ما يجعل نتنياهو في موقف قد لا يتيح له الاستمرار في عناده إلى ما لا نهاية.
إعداد: حسن ولد المختار