يحكى أنه في بداية ثمانينيات القرن الماضي، شكا جلالة السلطان قابوس بن سعيد إلى الملك الراحل فهد بن عبدالعزيز آل سعود، بعض الفتاوى التي يصدرها علماء دين سعوديون حول المذهب الإباضي، وتبديعهم لأتباعه وتضليلهم لهم، واعتبارهم من ذوي البدع المكفرة الذين لا تجوز الصلاة خلفهم، موضحاً له أن غالبية المواطنين العمانيين يدينون بهذا المذهب. ويقال إن جلالة السلطان وضح للملك فهد أنه لا يمكن أن يرى السعوديون في إخوانهم العمانيين أشقاء وهم يحملون لهم كل هذه الضغينة، والكراهية الدينية، وأن إطلاق الحبل على الغارب للفتاوى التي تثير الشقاق والنزاع هو تهديد لاستقرار الخليج، والوئام بين مواطني دول مجلس التعاون الخليجي. ومع أننا لم نسمع بعدها أي فتوى صوتية، ولا منشورة، ولا خطبة جمعة تتناول الإباضية، إلا أن الشيخ عبدالعزيز بن باز رئيس الفتوى وقتها -وهو معني بالأصالة في الشكاية إثر فتوى أصدرها، أذيعت في برنامج نور على الدرب، وكانت سبباً في التوتر- اكتفى ابن باز وغيره من اللجنة الدائمة بعدها بأن لا يعلن عقيدته في الإباضيين مرة أخرى، بعد توجيه الملك فهد بعدم التعرض للإخوة واحترام خصوصيتهم المذهبية. ويؤكد العلامة أحمد الخليلي في مقطع فيديو قديم نشر على يوتيوب أنه في عام 1986 زار الرياض وقابل ابن باز في مكتبه، وقد طلب الأخير أن يكاشف الخليلي والوفد المرافق معه بموقفه من أتباع المذهب الإباضي، في غرفة صغيرة داخل مكتبه عرفت بـ«المختصر»، يختارها حين يرغب بأن لا يكون أحد من العاملين والمراجعين على علم بتفاصيل ما يدور، ويذكر الخليلي أن ابن باز طلب منهم إعلان توبتهم والبراءة من عقيدة آبائهم وأجدادهم، ولكن الخليلي أوضح لابن باز، أن هذه مسائل مضى عليها حقب من التاريخ، ولا يفيد النقاش فيها، داعياً ابن باز إلى مناظرة أمام الكعبة إن كان لابد من نقاش حولها، ولكن الشيخ استبعد هذا الخيار. وهذه القصة أعاد تأكيدها الخليلي مرة أخرى في لقاء تلفزيوني على «روتانا» خليجية، ولكن بعرض أكثر اختصاراً. شبيه بهذا ما حدث بعد أحداث حماة 1982، إبان عهد الرئيس السابق حافظ الأسد رحمه الله، حيث منعت الحكومة السعودية الخطباء والصحف عن إثارة الموضوع، أو التعرض لأتباع المذهب العلوي (النصيرية)، في الوقت الذي كان فيه «الإخوان المسلمون» في الكويت يعقدون الندوات ويلقون الخطب التي تحكي الكثير من الأكاذيب والقليل من الوقائع الصحيحة حول أسباب ونتائج ما وقع في حماة. وأذكر في عام 1988 أن المباحث العامة استدعت زميلاً لي أعرفه كان يمتهن الوعظ والتذكير أعقاب الصلوات، حيث قام مرة واعظاً في أحد جوامع الرياض، وألقى كلمة بعد صلاة الجمعة، تضمنت تحذيراً وتكفيراً لأتباع المذهب العلوي، وتكفيراً للرئيس حافظ الأسد، فاضطر إلى كتابة تعهد بعدم القيام مرة أخرى بـ«إثارة الفتنة». في سؤال للخليلي عن سبب الوئام المذهبي في عُمان بين السنة والشيعة والإباضية، أجاب بأنه «العدل بين الجميع»، و يذكر أن أن الإمام ناصر بن مرشد اليعربي، حين فاوض البرتغاليين قبل طردهم، اشترط عليهم أن يردوا إلى الشيعة من العمانيين ما أخذوه منهم، حيث رأى فيهم إخوة له وبضعة من رعيته، هو مسؤول عنهم ومحاسب أمام الله إن فرط في حقهم. وهذا الوئام بين المذاهب هو السنة الثابتة التي لا تزال حتى اليوم، ونراها راسخة في هذا البلد الذي أصبح منارة وقدوة ملهمة لجيرانه، وللعرب، والعالم الإسلامي.