يذكر رجل الجزائر القوي الجنرال خالد نزَّار في مذكراته التي صدرت بالفرنسية عام 2012 أنه حين زار السعودية وقابل الملك فهد في بداية الاضطرابات التي عاشتها الجزائر عام 1992، نصحه الملك بأن يستخدم القوة مع الإسلاميين، وقال له: «هؤلاء ليسوا مسلمين، العصا، عليك بالعصا، ثم العصا». ويذكر نزَّار أن الملك لم ينكر وجود سعوديين يمولون إسلاميي الجزائر في تلك الفترة الكالحة التي عرفتها الجزائر، ولكن الملك أكد له أن السعودية لم تتدخل ولم تقدم شيئاً لمتطرفي الجزائر. وينقل نزار عن الملك أن علي بلحاج وعباسي مدني طلبا مقابلته وعرضا عليه تجنيد مليون جزائري مجاهد يدافعون عن السعودية بدلاً من قوات التحالف الدولي بعد احتلال الكويت، ويذكر نزار أن الملك الراحل أشار إلى أن علي بلحاج بلباسه وهيئته لم يكن ينم عن حس بالانتماء إلى العصر الحديث. كان «الإخوان المسلمون» منذ الأربعينيات قد سعوا إلى أن يكون للتنظيم الداخلي نظير دولي، وجاءت اتصالات البنا مع الملك عبدالعزيز على أساس هذه الفكرة، وهي افتتاح فرع لـ«الإخوان» في السعودية، ولكن إجابة الملك كانت ذكية وحصيفة حين أجابه ورده بلطف قائلاً: «كلنا إخوان». الملك عبدالعزيز نفسه كان مؤسس جيش الإخوان البدو المحاربين العظام 1913 الذين حظيت حركتهم باهتمام ملحوظ من قبل البريطانيين، واحتلت حيزاً من تقارير المندوبين والمقيمين والرحالة والموفدين العسكريين الذين كانوا يصحبون الملك عبدالعزيز في تنقلاته وحروبه، وقويت بهم شوكته من حين بدأ تأسيس جيش الإخوان حتى نهايتهم المأساوية في السبلة عام 1929. ولأن عبدالعزيز كان هو أب الحركة الروحي والسياسي والملهم لها، والراعي لها حتى اشتد عودها وقويت، وأصبحت يده الضاربة إلى حين تمردهم وصدامهم معه، فقد كان يرعى لحظة بلحظة نتائج تشجيع البدو على سكنى الهجر، وتشجيعهم على الاستقرار، والدخول في (الدين)، حتى بلغت ببعض المخلصين منهم أن تخلوا عن حلالهم وإبلهم إمعاناً في كراهية حالة البداوة وكل ما يتعلق بها، ويتهيأوا للجهاد في جيش عبدالعزيز بدلاً من المغزا والغارات والثارات في عصر (الجاهلية). كل هذا الإرث من الماضي الذي عاش الملك نتائجه وآلامه، كان وراء إجابته الذكية العميقة المعنى البعيدة الغور لحسن البنا. ويقال إن حسن البنا اختار وصف «الإخوان» لتنظيمه استلهاماً من تجربة الإخوان البدو، لأن البنا أسس تنظيمه في مارس 1928، وكان قد مضى ما يقارب 14 عاماً على تأسيس جيش الإخوان السعوديين، حيث كانت شهرتهم قد طبقت الآفاق. وبعد تأسيس البنا لحركته بعام واحد، في شهر مارس نفسه كانت نهاية الإخوان البدو في السبلة وسط السعودية في مارس 1929. وكان لمقتل الإمام يحيى وتورط البنا فيه، والعنف الذي مارسه «الإخوان» في مصر سبباً في تخوف الملك عبدالعزيز منهم وتحذيره لفاروق إن كان صحيحاً، كما يروي «الإخوان». وبعد الملك عبدالعزيز جاء الملك سعود وكان قد ألقى بثقله وشفع في «الإخوان المسلمين» عام 1954، بعد عام واحد من وفاة الملك عبدالعزيز، وعام من تولي سعود للحكم. وهو ما يعني أن ثمة علاقة وطيدة بين الحكم السعودي وبين «الإخوان» لم تتضرر بعارض الخلاف العابر، وزادها توثيقاً الملك فيصل أثناء ولايته للعهد ثم بعد توليه الملك، لتستمر العلاقة بعد ذلك أكثر قوة وتتشابك مصالح الطرفين، حتى 1990. يؤكد نزّار أنه اختار التكتم، لم يفصح عن موقف للملك فهد في ذروة الأحداث التي عاشتها الجزائر، خشية من أن تتضرر مصالح السعودية أو يتم استهدافها من قبل المسلحين الإسلاميين.