لو وُجه سؤال لغير مشتغلٍ في القانون عن تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية في الإمارات، فربما هز رأسه بالنفي، لأن الشريعة مرتبطة في ذهنه بالرجم والقطع والجلد، وما دامت هذه العقوبات لا تنفذ، فالشريعة لا تطبّق. ومن المعروف أن أحكام الشريعة تنقسم إلى عقائدية، وتهذيبية، وعملية، والأخيرة تنقسم إلى عبادات، ومعاملات، وأحوال شخصية، وحدود وقصاص وتعازير. والقوانين تعمل في مجال الفروع الثلاثة الأخيرة. ولا حاجة للحديث عن إسلامية فرع "الأحوال الشخصية" في الإمارات، فنحن نتزوج، ونطلّق، ونوصي، ونورث، بحسب الشرع كما يعرف الجميع. أما المعاملات، كالبيع والإجارة والهبة والوديعة والوكالة وغيرها، فالقانون الذي ينظم هذه المسائل يسمى "قانون المعاملات المدنية"، وهو قانون مستمد من أحكام الشريعة، حتى في تسميته، كما أن الكثير من مواده هي أحاديث نبوية مشهورة وقواعد أصولية معروفة، كـ "لا ضرر ولا ضرار" (المادة 1/42)، والضرورات تبيح المحظورات (م 43)، ودرء المفاسد أولى من جلب المنافع (م 44)، والغرم بالغنم (م 67)، ومن استعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه (م 69)، والبينة على من ادعى واليمين على من أنكر (م 117). ومن يستعرض هذا القانون، خصوصاً إذا كانت ثقافته الفقهية متواضعة، سيخال إليه أن مواده من "وضع" رجال القانون، لكن سوء الفهم هذا سيزول إن قرأ مذكرته الإيضاحية التي تفسّر نصوصه وتحيل إلى مصادره، وقد لا يعود يدري إن كان ما بين يديه كتابا في القانون أم في الفقه، إذ لا تكاد تخلو صفحة منه من الإحالة إلى المذاهب الفقهية، أو من الاستشهاد بآراء الفقهاء. كما يلزم "قانون المعاملات" القاضي بالحكم بمقتضى الشريعة في أي مسألة لم يجد لها نصاً فيه، مراعياً تخيّر أنسب الحلول من مذهبي الإمام مالك والإمام أحمد، فمذهبي الإمام الشافعي والإمام أبي حنيفة. وينص أيضاً بالرجوع في فهم نصوصه وتفسيرها وتأويلها إلى قواعد الفقه الإسلامي، وهو ما يعني بالبداهة أنه قانون إسلامي، وإلا كيف يلزم القانون نفسه بالرجوع إلى قواعد الفقهاء عند التباس معنى نصوصه أو التنازع على تفسيرها وتأويلها؟! يبقى بعد ذلك الحديث عن الفرع الأخير لقسم الأحكام العملية من الشريعة، وهو الفرع الذي يُساء فهم طريقة تطبيقه، وهي الحدود (سبع جرائم لا غير) والقصاص (خمس جرائم لا غير)، وقد وضعت الشريعة عقوبات محددة لهذه الجرائم. أما التعازير، فهي كل فعل حرمته الشريعة ولم تحدد عقوبة له تاركة تحديدها بيد ولي الأمر، كالإتلاف والتزوير والبلاغ الكاذب وغيرها الكثير. وينص قانون العقوبات الإماراتي على تطبيق أحكام الشريعة في شأن جرائم الحدود والقصاص، لكن كي تعد الجريمة كذلك، ينبغي أن تتوافر فيها شروط وضعها الفقهاء، وليس رجال القانون، وينبغي أيضاً ألا تثور حول الجريمة الشبهات التي قرر الفقهاء أيضاً أنها متى ما وُجدت، عوملت الجريمة باعتبارها من جرائم التعزير. فلو زنى رجل بامرأة، فإن حدّ الرجم لا يطبق إن لم تتوافر في الجريمة أركانها الشرعية، أو إذا وُجدت شبهات حولها، ومع هذا، فالمحكمة لا تخلي سبيلهما كأنهما لم يفعلا شيئاً، وإنما تعاقبهما باعتبار فعلتهما جريمة تعزيرية تستوجب التأديب الذي قرره ولي الأمر لجريمة هتك العرض بالرضا. وهكذا مع بقية جرائم الحدود والقصاص، ومن ثم يُسيء الفهم من يعتقد أن أحكام الشريعة الإسلامية في هذه الجزئية غير معمول بها في الإمارات. الخلاصة، أن القوانين في الإمارات إسلامية، فنحن نتزوّج ونطلّق ونبرم العقود ونبيع ونشتري وفق الشرع، كما أن العقوبات الشرعية تسري على ما قد يُرتكب من جرائم شرعية ما لم يحل عارض (تخلف شرط شرعي، أو وجود شبهة شرعية) دون تطبيقها، لتعامل الجريمة باعتبارها من جرائم التعزير التي ترك الشرع تحديد عقوباتها بيد ولي الأمر.