يخرج الرئيس أوباما تدريجياً بالبلاد من تركة سلفه بوش الذي ركز على الشرق الأوسط، ولكنه يحول انتباهه في الاتجاه الخاطئ، فأوروبا وليس آسيا، أولى بتركيزه الأساسي الآن. وسيتوقف مستقبل الديمقراطية الليبرالية على صعيد عالمي على نجاحها المستمر في قلب أرض التنوير الأولى. وإذا استطاعت الديمقراطية تجاوز المشكلات الحالية والانتعاش في أوروبا والأميركتين، فهذا سيلهم انتشار الحركة الديمقراطية على امتداد العالم على المدى الطويل، وإذا فشلت في الغرب فلن يعوض فشلها تبني أي قدر كان من السياسة الواقعية في آسيا. والتحدي الرئيسي هو إعادة بناء أسس العلاقة والشراكة على جانبي الأطلسي، فهي في حاجة ماسة للإصلاح. وفضيحة وكالة الأمن القومي الأميركية هي الأحدث في سلسلة فضائح من بينها معتقلا غوانتانامو وأبو غريب قوضت مكانة أميركا الأدبية في أوروبا. كما أفسدت الولايات المتحدة سمعة قيادتها الاقتصادية أيضاً. فقد كشف انهيار بنك «ليمان براذارز» عن فشل أميركا في الحفاظ على نموذجها الاقتصادي، باعتباره رأسمالية راسخة يحكمها القانون. والأوروبيون من بين أكثر الضحايا تضرراً من الانهيار الاقتصادي في اميركا خاصة الشباب منهم الذين قضي على أحلامهم بسبب الأزمة الاقتصادية. كما أكد الفشل الذريع فيما يتعلق بحدود الدَّين الأميركي العام عدم قدرة واشنطن فيما يبدو على تحمل مسؤوليتها الاقتصادية بشكل فعال. وتحدث هذه القطيعة الأوروبية المتنامية في الوقت الذي يتعرض فيه الاتحاد الأوروبي نفسه لخطر التفكك،. فمن المرجح إجراء استفتاء بريطاني بشأن الاتحاد خلال العامين القادمين واحتمالات التصويت بالرفض كبيرة، وخروج بريطانيا أمر سيئ على كل حال، كما أن الأحزاب القومية قد تصبح قوة كبيرة في البرلمان الأوروبي بعد الانتخابات القادمة. ومثل هذه الانتكاسات قد تقلص مشروعية الحكم التكنوقراطي في بروكسل وفرانكفورت. ومع إصرار ألمانيا على اتباع سياسات التقشف فمن الممكن أن يتسارع رد الفعل الشعبوي فتتحلل أوروبا وتعج بالديماغوجية الوطنية. وتستطيع جهود دبلوماسية أميركية جادة المساعدة في احتواء مثل هذا الخطر. فقد يكلف اتفاق تجارة مع الاتحاد الأوروبي الناخبين البريطانيين غالياً إذا صوتوا بالرفض. ويقدم اتفاق تمهيدياً بين الاحتياط الفيدرالي الأميركي والبنك الأوروبي أفضل وسيلة لتخفيف حدة إجراءات التقشف التي تغذي الفوضى الاقتصادية في جنوب أوروبا. ولكن فضيحة تنصّت وكالة الأمن القومي الأميركية تعرقل التقدم بالفعل. فألمانيا تصر على أن أي اتفاق للتجارة مع أميركا يتعين أن يلحق به اتفاق بشأن التجسس. وهذا يهدد بشل حركة جهود الاتحاد الأوروبي في التعامل مع الولايات المتحدة بصوت واحد. ويجب على إدارة أوباما أن تتغلب على هذا المأزق باتخاذ الخطوة الأولى لحسم قضية فضيحة التجسس. فبدلاً من عدم مراقبة الزعماء الأوروبيين على مدار الساعة يجب على أوباما أن يسعى إلى اتفاق تنفيذي ملزم يمنح جميع المواطنين في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي نفس ضمانات الحماية ضد التجسس من وكالة الأمن القومي الأميركية ووكالات الاستخبارات الأوروبية. وعلى رغم أنه من المرجح أن تركز جهود الكونجرس لكبح جماح وكالة الأمن القومي على البعد الوطني الداخلي فستمثل هذه الجهود أيضاً معياراً لمفاوضات موازية مع أوروبا. ولن تعزز المبادرة الجديدة حقوق الخصوصية للمواطنين على جانبي الأطلسي فحسب، بل ستعبر عن التزام جديد من الجانبين بحكم القانون. ويجب أن تعطي الإدارة الأميركية أولوية لقانون يزيل بعض التفويض القانوني لإحدى غرفتي الكونجرس بما يحيّد بعض السجالات والاستقطابات الحزبية التي تضر بالبلاد ومكانتها. وقد عبر زعماء من الحزبين الجمهوري والديمقراطي عن دعمهم لمشروع قانون يقيد إلى حد كبير فرص حزب الشاي في الاستغلال السياسي لقضية حدود الدّين العام. وسيعلن الرئيس، على أساس سنوي، بموجب المقترح، الزيادة المطلوبة لتفادي العجز عن السداد. وسيحتفظ الكونجرس بسلطة رفض مبادرة الرئيس بأغلبية عادية في كلتا الغرفتين. وإذا اعترض الرئيس على القرار بحقه في النقض، تستطيع أغلبية الثلثين أن تتمسك بحقها في الحسم النهائي للأمر. ولكن التشريع سيجعل من المستحيل فعلياً على الكونجرس أن يقوض أمر التعديل الرابع عشر الذي يقضي بأن «سلامة الدين العام للولايات المتحدة... يجب ألا يجري التشكيك فيها». والتحدي مرة أخرى للإدارة هو جعل هذا شأن ذا أولوية بارزة وحشد دعم القيادات الحزبية له. إن التقدم في التوصل إلى اتفاق على جانبي الأطلسي حول وقف التجسس، وبشأن تشريع يتعلق بحدود الدين العام، لن يكفي لإصلاح الضرر الأدبي والاقتصادي الذي حدث في عقد من الزمن. ولكنه قد يساعد في التحفيز على تحقيق انفراجات أكبر قد تحافظ على الدول الحليفة عبر الأطلسي كقوة داعمة لقيم الديمقراطية الليبرالية في القرن الحادي والعشرين. ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ بروس إكرمان أستاذ القانون والعلوم السياسية بجامعة «يل» الأميركية يتنشر بترتيب خاص مع خدمة «إم. سي. تي. إنترناشونال»