في أقل من شهر -غمضة عين في الدبلوماسية الدولية- وافق الأسد على ما يبدو على نزع ما يقرب من ألف طن متري من الأسلحة الكيماوية. وقد تم تطوير هذه الترسانة على مدار أكثر من أربعة عقود، وربما تم استخدامها عشرات المرات ضد المعارضة المسلحة والمدنيين خلال الحرب الأهلية الحالية. وقد حدث هذا التحول السريع والهائل في موقف نظام الأسد -من رفض الاعتراف بامتلاك أسلحة كيماوية، إلى السماح للمفتشين الدوليين بإزالتها- بعد أن تعهد أوباما في 31 أغسطس بـ«اتخاذ إجراءات عسكرية ضد النظام السوري». ونتيجة لذلك، أصبح هناك شبه يقين بين المسؤولين الأميركيين ومراقبي السياسات الخارجية أن الأسد قد تخلى عن ترسانة أسلحته الكيماوية فقط بسبب التهديد الحقيقي لقوته العسكرية. وغير معروف ما الدور الذي لعبته أطراف أخرى في صنع قرار الأسد، وقد أبرم هذا الاتفاق مرغماً، نظراً للمعارضة الدولية الساحقة لأسلوبه في استخدام الغازات السامة، وقد جرد نفسه من قدرة عسكرية واحدة (ذات تأثير محدود في ساحة المعركة) ليحافظ على بقائه في السلطة. إن مسألة ما إذا كان الإكراه العسكري قد «نجح» في سوريا أمر في غاية الأهمية، وخاصة لما له من تداعيات حول كيفية تعامل الولايات المتحدة وحلفائها مع المفاوضات والجهود الدبلوماسية (التي تسارعت وتيرتها فجأة) مع إيران أيضاً حول برنامجها النووي. وهذا يقتضي استعراض مكونات دبلوماسية الإكراه (القسر) وعيوبها المحتملة. إن دبلوماسية الإكراه، أو الإجبار، هي التهديد باستخدام محدود للقوة لمنع عدو من القيام بشيء. والدولة التي تمارس القسر عادة ما تقدم مطالبها مصحوبة بمهلة محددة أو إشعار بالإلحاح. وأما الردع فهو محاولة إقناع عدو بالعدول عن القيام بعمل ما من خلال التهديد بشيء بتدابير مؤثرة. وعادة ما تكون مطالب الدولة الرادعة أقل تحديداً وفي إطار زمني مفتوح. وهناك جدال حول فائدة سياسة القسر. وقد خلص العلماء إلى أنها تحرز نجاحاً محدوداً كأداة للسياسة. وقرر كل من باري بليشمان وستيفين كابلان أن القوات المسلحة الأميركية قامت بـ 37 محاولة بين عامي 1946 و 1975 للتأثير على سلوك دول أخرى من خلال عمليات انتشار للقوات، وقد نجح الإجبار على المدى الطويل (ثلاث سنوات أو أكثر) في المئة فقط من هذه المحاولات. وكذلك جمع البروفيسور تود سيشسر بيانات حول تهديدات الإكراه باستخدام القوة الخشنة في الفترة ما بين الحرب العالمية الأولى وعام 2001، حيث كانت نسبة النجاح في هذه الحالات 41,4 في المئة. كما حذر أيضاً من أن وجود التفوق العسكري -كحال الولايات المتحدة- قد يؤدي إلى تقليل فعالية تهديدات الإجبار، حيث إن الدولة المستهدفة الأضعف، خوفاً من أن تقدم الدولة التي تمارس الإكراه مطالب أكبر في المستقبل، قد تخوض حروباً مكلفة عاجلاً من أجل ردع عدوان قد يحدث لاحقاً. ولنتذكر الآن: ما السبب الذي جعل القذافي يتنازل عن برنامجه الوليد لتخصيب اليورانيوم ومعظم أسلحته الكيماوية في عام 2003. لقد أشار الأكاديميان بروس جينتلسون وكريستوفر وايتوك إلى أن «مصداقية أميركا بشأن استخدام القوة كانت عاملاً» وإن كانت «على الأرجح ليست هي أهم العوامل» حيث كان التأثير الأكبر يرجع إلى تغلغل الاستخبارات الغربية في برامج الأسلحة الليبية، وتأثير العقوبات على السياسات المحلية في ليبيا نفسها. وقد ركزت إدارة بوش بصورة غير صحيحة على إظهار تأثير تغيير النظام القمعي في العراق. وزعم نائب الرئيس السابق ديك تشيني أن تنازلات القذافي كانت «واحدة من أعظم المنتجات… لما فعلناه في العراق وأفغانستان»، مشيراً إلى أنه «بعد خمسة أيام فقط من القبض على صدام جاء القذافي وأعلن أنه سيسلم كل المواد النووية للولايات المتحدة». ومن المفارقات أن المسؤولين الأميركيين يتبنون سياسة الإكراه لتحقيق أهداف خاصة بهم في حين أنهم يدينون استخدام هذه السياسة من قبل الآخرين. وفي عدة مناسبات أكد مسؤولون أميركيون أن الولايات المتحدة «تقف بحزم ضد أي محاولات للإكراه لتغيير الوضع الراهن»، وأنها تفضل «تسوية النزاعات بالوسائل السلمية بما يتسق مع القانون الدولي». وبالطبع، فإن اللجوء إلى الإجبار واستخدام القوة لتغيير الوضع الراهن هو ما يحدد خصائص السياسة الخارجية للولايات المتحدة، كما توضح ردود الفعل بشأن سوريا. والسؤال الذي يطرح نفسه فيما يتعلق بالعلاقات مع شرق آسيا في العقود المقبلة هو ما إذا كانت الصين ستحاكي الجيش الأميركي من خلال تبني الإكراه، أم ستتبع المبادئ التوجيهية للولايات المتحدة بشأن كيفية تسوية النزاعات المحلية. والخطر الذي تمثله دبلوماسية القسر هو أن الدولة التي تمارس الإكراه تطالب دولة أخرى علناً بأن تغير سلوكها. ثم تضع هذه الدولة سمعتها على المحك عندما تتراجع كما فعل أوباما مؤخراً، أو تتهور بالانغماس في حرب كما فعل بوش عام 2003. إن الولايات المتحدة وإسرائيل تطالبان إيران بقبول قيود كبيرة على مواقعها لتخصيب اليورانيوم ومرافق إنتاج البلوتونيوم، وإلا فعليها مواجهة هجوم عسكري. وإذا كانت إيران تعتقد فعلاً أن هذا هو الطلب النهائي للقوة العسكرية الخارجية، فإنها قد ترفض أو تقبل التحقق بشأن برنامجها النووي، بعد أن تعلمت من التجارب في أفغانستان، والعراق، وليبيا. ميكا زينكو محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»