«إنني قلق جداً وخائف جداً لأن الاتجاه يبدو خطيراً، وأعتقدُ أنه من المهم جداً القيام بكل ما هو ممكن من أجل وقف عملية التدهور الخطير تلك. وشخصياً، أرى أن بوتين وأوباما قادران على وقف ذلك التدهور، رغم أن كليهما يتعرضان لضغط شديد على ما يبدو». كانت تلك كلمات ميخائيل جورباتشف لصحيفة «ذا تايمز» البريطانية في عددها ليوم الثالث من شهر سبتمبر الجاري. وفيما نتابع حرباً باردة ثانية بين روسيا والغرب، على ما يبدو، فإن كلمات رئيس روسي سابق، كان على وفاق مع رئيسة الوزراء البريطانية الراحلة مارجريت تاتشر، وقد لعب دوراً مهماً في المساعدة على إنهاء الحرب الباردة الأولى، تعتبر كلمات جد جديرة بالاهتمام. وفي شهر مايو الماضي، عاد بوتين إلى الكريملن لبدء ولاية ثالثة كرئيس لروسيا الاتحادية. إنه سياسي فخور وحاد الطبع، وصاحب ماض طويل في الأجهزة الأمنية للاتحاد السوفييتي السابق؛ كما أنه يحن كثيراً إلى أيام العهد السوفييتي، عندما كان بلده أكثر قوة ونفوذاً أكثر بكثير مما هو عليه اليوم. وفي هذا الإطار، قالت مجلة «ذي إيكونوميست» البريطانية، في عددها ليوم الحادي والثلاثين من أغسطس المنصرم: «إنه من الواضح أكثر من أي وقت مضى أنه يسير على مسار مناوئ للغرب، سواء تعلق الأمر بالجهود الدبلوماسية الدولية حول سوريا، أو بالمواضيع الداخلية مثل سجن زعماء معارضين أو حقوق المثليين. بل يمكن القول إن مناصبة الغرب العداء أضحت سمة مميزة لولايته الرئاسية الثالثة». وكتعليق على ذلك الكلام من جانب جورباتشوف، أعتقد أنه كلام عادل ومنصف، ويعطي فكرة حول أسباب ودواعي إلغاء أوباما لاجتماع رسمي كان مقرراً تنظيمه مع بوتين، حيث قام بدلا من ذلك بزيارة السويد. والجدير بالذكر هنا أيضاً أن أوباما كان قد سعى، وذلك بعد وقت قصير على وصوله أول مرة إلى البيت الأبيض، إلى «إعادة ضبط» العلاقات مع روسيا؛ وربما أمكن القول، بشكل عام، إنه كان على وفاق مع ميدفيديف سلف بوتين في الرئاسة ورئيس حكومته الحالي. وأعتقدُ أنه من الواضح أن الهدف الأساسي لأوباما كان هو تحسين العلاقات مع روسيا من أجل ولايته الثانية، وكان مستعداً للصبر والتريث في سبيل الوصول إلى ذلك الهدف. لكن النتائج كانت دون التوقعات. والواقع أن منح روسيا اللجوء لادوارد سنودن، الذي من الواضح أنه انتهك بعض القوانين الأميركية، لم يكن سوى واحد من المشاكل العديدة التي ساهمت في ذلك. أما المشاكل الأخرى، فيتعلق بعضها بعدم إحراز تقدم بخصوص نزع الأسلحة النووية، وهو موضوع يكتسي أهمية كبيرة بالنسبة للبيت الأبيض، وكذلك مسألة حقوق الإنسان في روسيا. وكان أوباما قد اشتكى مؤخراً من الزعيم الروسي قائلا إن حركات جسمه تشبه «طفلا أصابه الضجر والملل في مؤخرة القسم الدراسي». وبيد أن الشرق الأوسط هو الذي أضحى ساحة للخلافات المتزايدة بين روسيا والولايات المتحدة. والحال أن الدولتين معاً، وكلاهما عضو دائم في مجلس الأمن الدولي في نيويورك، تتحملان المسؤولية؛ حيث تتبنيان مواقف مختلفة من بعض مواضيع الشرق الأوسط المهمة. فروسيا دعمت القرار المهم لمجلس الأمن بخصوص ليبيا، لكنها عادت لتقول إن الغرب استغل صياغته الفضفاضة، والتي أفضت مع مرور الوقت إلى القبض على القذافي وقتله. وفي هذا السياق، كتب بوتين في 2012 يقول: «ينبغي ألا يُسمح لأي أحد بأن يعيد تطبيق السيناريو الليبي في سوريا». وقد بدا بالفعل مصدوماً من عملية القتل المقززة التي تعرض لها الزعيم الليبي السابق. لكني أرى أن بوتين مسؤول هو كذلك عن الإبقاء على النزاع السوري مستعراً وعن مقاومة عقد مؤتمر سلام دولي جدي في جنيف حول مستقبل سوريا. فقلة قليلة من الناس يعتقدون أن النزاع السوري سيُحل بالوسائل العسكرية؛ غير أن روسيا فشلت لشهور في المساعدة على عقد مؤتمر جنيف الذي تقرر بهدف إطلاق حوار بين جميع الأطراف يهدف إلى إيجاد تسوية سلمية لهذا النزع الذي تحول إلى حرب أهلية. وبالمثل، فإن دعم مجلس الأمن الدولي لأي شكل من أشكال التحرك العسكري ضد سوريا هو أمر مرغوب فيه كثيراً. لكن روسيا والصين تحولان دون ذلك. ورغم أن معظم المراقبين باتوا مقتنعين الآن بأن سوريا استعملت أسلحة كيماوية ضد شعبها، إلا أن روسيا مازالت تزعم بأن ثمة أدلة غير كافية. لكني لا أستطيع أن أصدق للحظة واحدة أن الاستخبارات الروسية غير مدركة للواقع الحقيقي والمروع، وهي التي عملت على مدى أشهر مع نظيرتها السورية. وقبيل مغادرته أميركا متجهاً إلى قمة مجموعة العشرين في سانت بيترسبرج، كان من الواضح أن أوباما غيَّر موقفه من الضربة المحتملة ضد سوريا. فمن أجل الحصول على دعم السيناتور جون ماكين وجمهوريين كبار آخرين، وافق الرئيس الأميركي على أن أي ضربة ستكون قوية بما يكفي لـ«إضعاف قدرات الأسد»، ووعد بأن لديه مخططات لمساعدة المقاتلين الثوار على إسقاط الرئيس الأسد. وهو كلام لا شك أنه أثار قلق الرئيس الروسي كثيراً. فهل يتصرف أوباما بواقعية؟ شخصياً، أعتقدُ أن الكثيرين في أوروبا الغربية لا يقدِّرون أهمية طرطوس بالنسبة للزعيم الروسي. ذلك أن القاعدة البحرية السورية التي تملك فيها البحرية الروسية وجوداً متزايداً، تسمح لها بالوقوف في وجه «الغطرسة الأميركية» وإظهار أن روسيا أيضاً لديها سفن قوية وحديثة لتقوم بدوريات في البحر الأبيض المتوسط. إنه حنين إلى أيام الحرب الباردة القديمة والاتحاد السوفييتي! لكن يبدو أنه ينسجم مع المزاج الحالي في الكريملن. والأكيد أنه على خلفية هذا الاحتكاك الخطير بين بوتين وأوباما، ستُتخذ الخطوات التالية بخصوص الأزمة في سوريا ونظامها.