يميل النقاش حول دعوة أوباما لتحرك عسكري في سوريا إلى الاصطدام بخليط مربك من الحجج من قبيل: ما الجدوى من ضربة عسكرية إذا كانت القوات الأميركية لن تضرب بما يكفي من القوة لإسقاط الأسد؟ ثم ألن تستولي «القاعدة» على سوريا في حال قامت واشنطن بإسقاط الأسد بالفعل؟ وهل الأمر كله يتعلق بالحفاظ على مصداقية الولايات المتحدة بعد تحذير أوباما من أن استعمال الأسلحة الكيماوية يمثل «خطاً أحمر»؟ أم أنه يتعلق بجهد خاطئ أصلاً من قبل الرئيس لإنقاذ ماء وجهه؟ إن الطريقة الصحيحة للنظر إلى تدخل أميركي، أو تدخل تقوده أميركا، في سوريا، تقتضي أن نضع في أذهاننا أن العملية لديها أهداف كثيرة، وجماهير عديدة. فالعالم قلق على نحو مبرر بشأن الكارثة التي ألمت بالشعب السوري وبشأن ما قد يحدث لاحقاً داخل حدود ذلك البلد، غير أن التدخل يهدف إلى معالجة عدد من المشاكل في وقت واحد، وسوريا إحداها. وإذا كان التأثير على مجرى الحرب حتى يكف الأسد عن تذبيح شعبه، ثم يتسنى تأمين مستقبل أفضل بالنسبة للسوريين في نهاية المطاف، يمثل أحد الأهداف، فإن ثمة هدفاً يتعدى سوريا. لقد قال أوباما إن «الخطر الأحمر» الشهير ليس خطه، مشيراً إلى أن «العالم هو الذي وضع خطاً أحمر». والحقيقة أن أوباما وضع ذلك الخط بالفعل، وكذلك فعل المجتمع الدولي، حيث اتفقت الأغلبية الساحقة من المجتمع الدولي قبل عدة سنوات على تحديد سقف خارجي للفظاعات التي يمكن تحملها حتى إبان الحرب. وهكذا، حظر العالم استعمال بعض الأسلحة، ومنها الأسلحة الكيماوية. والواقع أن حقيقة أكثر من 100 ألف شخص قُتلوا في سوريا أمر فظيع ومروع، لكن ذلك لا يعني أنه من النفاق فرض تطبيق اتفاقية دولية مهمة تحظر استعمال بعض الأسلحة. فهناك أسباب لتحريم أسلحة الدمار الشامل، أسباب تفسر لماذا تخشى البشرية استعمالها بشكل خاص. ثم إنه ستكون ثمة عواقب إذا ما غض العالم الطرف بينما يقوم ديكتاتور بإطلاق صواريخ محملة بالسم على شعبه. إن توجيه ضربة لسوريا عقب الهجوم بواسطة غاز السارين، يهدف إلى تأكيد أن ذلك لن يكون مسموحاً به. وإلا، فسنراه يحدث مراراً وتكراراً وبوتيرة متزايدة في سوريا وأماكن أخرى. وإذا كان آخرون يرفضون التحرك، فإن ذلك لا يعني أن على الولايات المتحدة السماح بمرور هذا الانتهاك السافر للقوانين الدولية بدون عقاب. فالطغاة والخارجون على القانون يتابعون ما يجري ويستخلصون الدروس، والتجارب السابقة أظهرت أنه عندما لا يتم ردع هؤلاء، فإن وحشيتهم تزداد. وإلى جانب حماية القوانين الدولية، هناك أيضاً مسألة ما سيحدث عندما تُصدر الولايات المتحدة تحذيراً. ذلك أن أصدقاء أميركا وأعداءها يراقبون جميعاً ما يجري عن كثب، علماً بأن أميركا وجهت تحذيرات أخرى، وخاصة لإيران. وإذا كان تحذير أميركا الصارم لا يعني شيئاً الآن، فإن آخرين سيخلصون إلى أنه يمكنهم تخطي الخطوط الأخرى، وهكذا ستتضرر الجهود الرامية إلى تجنب الحروب في المستقبل. وبالتالي، فمن شأن رسالة قوية يتم إيصالها بشكل جيد أن تؤدي إلى تجنب حروب مستقبلاً. والأكيد أن أي عمل عسكري لا يخلو من خطر وليس ثمة اختيارات جيدة كلياً، غير أن ثمة خطراً كبيراً في عدم التحرك. وشخصياً، أعتقدُ أن هذا الأخير يفوق خطر تدخل عسكري محدود، وخاصة عندما نأخذ بعين الاعتبار الكلفة الأكبر لعدم التحرك! فريدة جيتيس محللة سياسية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم. سي. تي. إنترناشيونال»