خلال متوسط الحياة البشري المعتاد، أو مؤمل العمر الطبيعي البالغ حوالي سبعة عقود، ينقبض أو ينبض قلب الإنسان أكثر من 3,4 مليار انقباضة أو نبضة، بداية من اليوم الحادي والعشرين من عمره كجنين في رحم أمه إلى أن يلفظ أنفاسه الأخيرة في نهاية حياته. وهذه العضلة العجيبة، والفريدة من نوعها، التي يتراوح وزنها بين 250 إلى 350 جراماً، ولا يزيد حجمها كثيراً عن قبضة يد كبيرة، لطالما اُسقط عليها الكثير من القيم الثقافية، والمفاهيم العقائدية، في جميع الثقافات، والمجتمعات، والديانات، دون استثناء. فقبل بزوغ فجر الحضارات الإنسانية القديمة، أدرك الإنسان أهمية القلب في استمرار الحياة، ثم منحه لاحقاً التطورُ الحضاري والفكري موقعاً مركزياً في المشاعر، والعواطف، والرغبة، والحكمة، والإرادة، والذكاء، والهدف والمصير. وهو ما يتضح حتى من مفردات اللغة التي تصف العقل والفطنة بصفة اللباب، وتطلق على الشخص العاقل المتفكر لقب اللبيب، اشتقاقاً من اللب أو القلب. ومثل بقية أعضاء وأجهزة الجسم، يتعرض القلب لحزمة متنوعة من الأمراض والعلل، تؤلف فيها الكتب ويخط العديد من المراجع. ومن بين هذه الأمراض والعلل المتعددة، يكتسي عجز القلب عن أداء وظيفته الأساسية، المتمثلة في ضخ الدم عبر شرايين الجسم وأوردته، خطورة خاصة، وهو ما يعرف بفشل أو هبوط القلب. وتتعدد الأسباب التي تؤدي إلى قصور القلب، مثل التلف الحادث بعد الإصابة بالذبحة الصدرية نتيجة انسداد الشرايين التاجية المغذية لعضلة القلب، أو بسبب ارتفاع ضغط الدم المزمن والشديد، أو اختلال عمل الصمامات القلبية المنظمة لحركة واتجاه تدفق الدم عبر القلب، أو نتيجة بعض الأمراض التي تصيب العضلة ذاتها. وبغض النظر عن السبب، يعتبر قصور القلب من الحالات الطبية الشائعة، التي تتسبب في إعاقة شديدة للمريض، وتؤدي إلى تكلفة باهظة يتحملها المصاب ونظام الرعاية الصحية، وكثيراً ما تؤدي إلى وفاة المريض في النهاية. ويتضح مدى انتشار هذه الحالة الطبية الخطيرة من خلال الإحصائيات التي تشير إلى إصابة 2 في المئة من جميع الفئات العمرية في الدول الصناعية، وما بين 6 إلى 10 في المئة بين ممن تخطوا سن الخامسة والستين. وتترجم هذه النسب إلى الملايين من الأشخاص حول العالم، ففي بريطانيا وحدها يعاني 750 ألف شخص حالياً من هبوط القلب، ويرتفع هذا الرقم إلى 5 ملايين في الولايات المتحدة، بالإضافة إلى نصف مليون حالة جديدة سنوياً. أما على صعيد التكلفة الاقتصادية، فتستهلك حالياً الرعاية الصحية المقدمة لمرضى قصور القلب 2 في المئة من ميزانية الخدمات الصحية القومية في بريطانيا، وتكلف أكثر من 35 مليار دولار سنوياً في الولايات المتحدة. وللأسف لا يوجد علاج فعال للغالبية العظمى من المرضى، اللهم إلا الامتناع عن التدخين، والتمارين الخفيفة، وتعديل النظام الغذائي، وبعض الأدوية والعقاقير، بالإضافة إلى زراعة منظم ضربات للقلب، أو زراعة قلب جديد من متبرع متوفى. وهذا الوضع يبذل حالياً الكثير من الجهود سعياً لتغييره، بالاعتماد على أسلوب الهندسة الوراثية أو العلاج «الجيني». وبشكل عام، يعتمد هذا الأسلوب على دمج «جين» خارجي نشط في تركيبة المادة الوراثية للمريض، لاستبدال «جين» معيب، بسبب طفرة أو مرض وراثي، وإن كان أحياناً ما يستخدم هذا الأسلوب لمحاولة إصلاح العيب بشكل مباشر، أو تغيير وتبديل «الجين» بشكل يمنح صفات وخصائص مطلوبة. ومما اكتشفه العلماء أن مرضى هبوط القلب يعانون من نقص واضح في بروتين خاص ومميز يعتقد أنه مسؤول عن إصلاح التلف أو العطب الذي أصاب عضلة القلب بعد الإصابة بالذبحة الصدرية. ولذا يحاول العلماء حالياً بالاعتماد على أسلوب الهندسة الوراثية تعديل التركيب الوراثي أو الجيني لفيروس، بشكل يجعله متضمناً لجين قادر على إنتاج البروتين المرغوب فيه. ثم حقن الفيروس في جسم المرضى بقصور القلب، حتى يتسنى له الوصول إلى عضلة القلب المصابة والالتصاق بها، ومن ثم إدخال الجين المرغوب ضمن المادة الوراثية للعضلة المعطوبة، بشكل يمكنها من إنتاج البروتين الضروري لإصلاح التلف والضرر الحادث فيها. وهذا الأسلوب، وإن كان لن يحقق الشفاء التام من هبوط أو قصور القلب، إلا أنه سيرفع بشكل ملحوظ من كفاءة وقدرة القلب على ضخ الدم حول الجسم، وهو ما من شأنه أن يقلل من المضاعفات الصحية المصاحبة لهبوط القلب، وربما يطيل من حياة المرضى لبضعة أعوام، يحيونها في وضع صحي أفضل، يمكنهم من القيام بمدى أوسع من الممارسات اليومية المعتادة، مثل صعود السلالم، أو المشي لمسافات معقولة، دون إرهاق وصعوبة في التنفس وأحياناً حتى احتمال تعرضهم للإغماء والسقوط. وبالفعل أظهرت الدراسات الأولية التي أجريت حتى الآن في الولايات المتحدة على عدد محدود من المرضى نتائج مشجعة للغاية. ويعتزم أحد أكبر وأشهر المستشفيات البريطانية المتخصصة في أمراض القلب البدء قريباً في دراسات واسعة النطاق، تشمل 200 مريض، للتأكيد على فعالية وسلامة وأمن هذا الأسلوب العلاجي المبتكر، وإن كان لا يتوقع الحصول على النتائج النهائية المؤكدة قبل ثلاثة أعوام.