كان موقف أوباما من سوريا مفاجئاً بالنظر إلى ما أظهره مؤخراً من ازدراء للكونجرس. فقبل نحو شهرين فقط، أرغمت تصريحات إدوارد سنودن مديرَ الاستخبارات الوطنية "جيمس كلابر" على الاعتراف بأنه كذب على لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ – وهي جريمة يعاقب عليها بالسجن خمس سنوات. ولكن الاعتراف بالجريمة لم يدفع الرئيس إلى استبدال "كلابر" بوجه جديد يمكن أن يعمل مع الكونجرس على إصلاح ما تسببت فيه فضيحة وكالة الأمن القومي من أضرار. أما العمل أحادي الجانب الآخر لأوباما، فقد جاء رداً على دور الجيش المصري في تغيير الوضع في مصر. ذلك أن "قانون المساعدة الخارجية" يحظر تقديم المساعدة لـ"أي بلد يتم خلع رئيس حكومته المنتخَب بواسطة تدخل عسكري"؛ إلا أنه حتى بعد موجة من العنف، ألمح البيت الأبيض على أنه "ليس من مصلحة الولايات المتحدة" تحديد ما إنْ كان الذي وقع في مصر انقلابا أو لا. ورغم الاحتجاجات التي صدرت من الكونجرس، إلا أنه ليس ثمة أي مؤشر على أن الرئيس سيلقي بالًا لما ينص عليه هذا القانون. وبينما انتقلت الدراما إلى سوريا، انتقلت السياسة الرئاسية في الاتجاه المعاكس. ولكن الولايات المتحدة ستقوم هذه المرة بقصف بشار الأسد لأنه استعمل الغازات الكيماوية ضد المدنيين. وبينما قاد وزير الخارجية جون كيري الحملة الدبلوماسية، كان العالم يُعد نفسه لخبر الضربات الجوية الأولى عندما قام أوباما فجأة بالعودة إلى الكونجرس. ولكن في لحظة ملأى بالسخرية التاريخية، شكلت هزيمة رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون في مجلس "العموم" سبباً معجلًا بعملية إعادة النظر في هذا الموضوع من قبل الرئيس. فلقرابة ألف عام، استبعد الدستور البريطاني البرلمانَ من إعلان الحروب – لأن الملك يعتبر تلك الصلاحية "اختصاصاً ملكياً" - غير أن حرب جورج الثالث ضد رعاياه من المستوطنين المتمردين جعلت الآباء المؤسسين لأميركا يقررون أن على رئيسهم الجديد أن يلعب دوراً مختلفاً جداً – وأن الأمر ينبغي أن يعود إلى الكونجرس ليتخذ القرار النهائي بشأن الحرب والسلام. غير أنه بعد مرور قرنين على ذلك، علَّم البرلمان البريطاني "الرئاسيةَ الإمبريالية" درساً، ذلك أنه في 2003 فقط، قرر توني بلير أن مغامرته مع جورج دبليو. بوش تتطلب شيئاً أكثر من مرسوم ملكي. فطلب الموافقة الرسمية للبرلمان من أجل تعزيز شرعيته الديمقراطية – وهو ما تأتى له بسهولة بالنظر إلى أن حزبه كان يسيطر على مجلس "العموم"، غير أنه في هذه المرة يوجد "كاميرون" على رأس ائتلاف هش يجمع "المحافظين" و"الديمقراطيين الأحرار"، وأثبت أنه غير قادر على تأمين الأصوات. إلا أن هذا الأمر جعل جهود أوباما، التي تدفع في اتجاه رد عسكري في سوريا، لا ترقى إلى معايير عهد بوش. فمهما كانت عيوب حرب العراق تحت القانون الدولي، إلا أن بوش وبلير تمكنا من تشكيل تحالف كبير - "ائتلاف الراغبين". وكيفما تكن الأكاذيب التي قالها بوش للجمهور بشأن أسلحة الدمار الشامل المزعومة في عهد صدام، إلا أنه على الأقل حصل على موافقة الكونجرس. غير أنه عندما انسحبت بريطانيا، كان من الواضح أن ائتلاف أوباما الدولي سيكون أقل أهمية بكثير من الائتلاف الذي حشده بوش. ولو رفض أوباما السعي وراء موافقة الكونجرس، لكان واجه هجوماً مدمراً من "اليسار" و"اليمين" على حد سواء في حال إخفاقه. وقد أبان أوباما عن ميزة إيجابية وميل للحفاظ على الذات في السياسة عبر تغير موقفه في آخر لحظة؛ ولكن عمله ستكون له عواقب أعظم مما كان يقصده. وربما كان سيستطيع تحقيق نصر سريع – حتى لو كان على نطاق ضيق - لو أنه اقترح قراراً على الكونجرس يحد من استعماله للقوة بشكل صارم ويقصرها على الضربة الجراحية الضيقة التي تمثل هدفه المعلَن. غير أن مقترحه الرسمي في الواقع أشبه بعملية تسويق كبيرة مخادعة، وذلك لأنه يأذن للرئيس باستعمال "القوات المسلحة الأميركية"، بما في ذلك الجنود على الأرض، وباستعمال القوة العسكرية "داخل سوريا أو إليها أو منها". والأكثر من ذلك أن الرئيس يستطيع التحرك لردع "استعمال أو نشر" "أسلحة كيماوية أو غيرها من أسلحة الدمار الشامل" والتدخل من أجل "حماية الولايات المتحدة وحلفائها وشركائها ضد التهديد الذي تطرحه مثل هذه الأسلحة". وبالتالي، فإن ما يطلبه الرئيس ليس سوى تأييد مفتوح لتدخل عسكري في الشرق الأوسط وما بعده. والواقع أن هذه المبادرة لا يمكن أن تؤدي إلا إلى إعادة النظر في الأسس والمنطلقات، وهو أمر يفرض نفسه بإلحاح في وقت تنحرف فيه سياسة الإدارة الأميركية بقوة من السياسة الواقعية الفجة في مصر إلى الأخلاق العالية في سوريا. ولعل الأهم من ذلك أنه لا إمكانية لأن تنضم أغلبية من الكونجرس إلى السيناتور جون ماكين (الجمهوري عن أريزونا) وليندسي جراهام (الجمهوري عن كارولاينا الجنوبية) في دعمهما لـ"التفويض المطلق" المذهل الذي يريده أوباما. وبالمقابل، ينكب النائبان "كريس فان هولن" (الديمقراطي عن ميريلاند) وجيرالد كونولي (الديمقراطي عن فرجينيا) حاليا على إعداد مشروع قرار منقح لن يأذن إلا بالمهمة المحدودة التي يتحدث عنها أوباما في تصريحاته العلنية. مشروع قرار يشددان فيه على سقف زمني صارم لكل استعمالات القوة، على غرار ما تم القيام به حين رُخص للرئيس رونالد ريجان بغزو لبنان في 1983. غير أنه بالنظر إلى الهوة الكبيرة بين مقاربتهما التي تضع جملة من القيود والشروط والترخيص المفتوح الذي يريده أوباما، فإن مفاوضات اللحظة الأخيرة قد تفشل في خلق توافق يحظى بدعم أغلبية في كلا المجلسين. وفي كلتا الحالتين، فالأكيد أن النقاش المقبل سيؤشر إلى بداية النهاية بالنسبة لعصر الحادي عشر من سبتمبر؛ إذ سيتعين على الرؤساء المقبلين أن يدركوا أن الشعب الأميركي لن يعد يدعم تدخلات عسكرية طويلة وعريضة في العالم الإسلامي! بروس أكرمان أستاذ القانون والعلوم السياسية بجامعة «يل» ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»