لقد مر عقد من الزمن تقريباً على الحرب الهندية- الباكستانية التي اندلعت في مرتفعات "كارجيل" بمنطقة كشمير، حيث استمرت المعارك لثلاثة أشهر متواصلة وانتهت بالتوقيع على اتفاق لوقف إطلاق النار عام 1999 ليضع حداً لحرب كان يمكنها الاستمرار لفترة أطول، لكن يبدو أن التوتر عاد إلى المناطق المتنازع عليها بين البلدين ليشهد تبادلاً كثيفاً لإطلاق النار على جانبي الحدود، وليعيد شبح الحرب مرة أخرى إلى البلدين بسبب حالة الاحتقان السائدة حالياً، وبالطبع سارعت باكستان والهند معاً لإلقاء التهم وتحميل بعضهما البعض مسؤولية ما يجري باعتبار أن الطرف الآخر هو البادئ بانتهاك خط الفصل بين البلدين وإطلاق النار على الطرف الآخر. وفي هذا السياق، لا يكف الجيش الباكستاني عن النحي باللائمة على الجنود الهنود الذين يبادرون، حسب قولهم، بإطلاق النار في كشمير المتنازع عليها، وقبل ذلك اتهمت الهند باكستان بقتل خمسة من جنودها، لكن الهجوم الأقوى على الجيش الباكستاني جاء من وزير الدفاع الهندي شخصياً، الذي أشار صراحة أمام البرلمان بأن سقوط الجنود الخمسة كانت وراءه باكستان، ولتعقيد الوضع أكثر وصب الزيت على النار مرر برلمانا البلدين تشريعات وقوانين ضد بعضهما البعض، محملًا كل طرف الآخر مسؤولية التوتر على الحدود وانتهاك الهدنة الموقعة بين البلدين. ولا شك أن تصاعد الاحتقان بين البلدين النوويين بسبب النزاع الحدودي المزمن وتنامي المناوشات العسكرية بينهما ينذر بالخطر ويعتبر تطوراً مقلقاً بالنظر إلى تاريخ الحروب بين الجارين. ومع أن البلدين قد لا يلجأن أبداً إلى استخدام السلاح النووي، إلا أنه مع ذلك يبقى التوتر الحالي مؤشراً مقلقاً على العلاقات بين الهند وباكستان، لا سيما في الوقت الحالي الذي كان يفترض به تحسين العلاقات وليس ترديها، فعندما تولت القيادة الجديدة في باكستان السلطة تصاعدت الآمال في أن يتمكن الطرفان من حل مشاكلها العديدة من خلال اتخاذ خطوات لإعادة الثقة وتنفيس الاحتقان. وقد أبدى رئيس الوزراء الباكستاني، نواز شريف، استعداداً واضحاً لاستئناف الحوار الثنائي بين البلدين والسير فيه قدماً بعد فترة من التوقف، لكن التطورات الأخيرة على الميدان والمواجهات العسكرية على جانبي الحدود أعادت الحوار إلى المربع الأول، بل جعل من الصعب على البلدين الاتفاق حتى على موعد لإجراء الحوار. ففي الوقت الذي اقترحت فيه باكستان شهر سبتمبر كموعد لإجراء الحوار ومناقشة المنطقة المتنازع عليها والمعروفة باسم "سير كريك"، بالإضافة إلى قضايا اقتسام المياه بين البلدين، رفضت الهند من جانبها هذا الموعد، مفضلة تأجيل الحوار إلى وقت لاحق، وهو أمر يمكن تفسيره بالضغوط المتوالية على حزب "المؤتمر" الذي يقود الحكومة من المعارضة اليمينية التي يمثلها حزب "بهارتيا جاناتا"، ومعه قسم من وسائل الإعلام الهندية ذات التوجه القومي الرافضة لأي تقارب مع باكستان، هذا التوجه الإعلامي غير المساعد، يعتمد الدعاية القومية المبالغ فيها والعزف على وتر الصراع التقليدي بين الهند وباكستان للضغط على الحكومة، بل والمطالبة بشن ضربات جوية جراحية ضد باكستان. ويبدو أن المعارضة الهندية بتوجهها الرافض للحوار مع باكستان تريد خلق بيئة خطيرة تنتهي بتخلي الحكومة عن تفويضها الديمقراطي لصالح الجيش وتسليم جزء من عملية الإشراف على القوات المسلحة إلى ضباط لا تتوفر لديهم المعرفة الكافية لتفادي الأسوأ، وهو ما قد يُدخل البلاد في دوامة خطيرة تقود إلى مواجهة مفتوحة وحرب جديدة مع باكستان، ولعل ما عقد الأمور أكثر بين البلدين هو الإعلان عن اعتقال "عبد الكريم توندا"، الذي ينتمي إلى تنظيم "عسكر طيبة" الباكستاني والذي يُعتقد أنه تورط في أكثر من 40 هجوماً على الهند، بما فيها تفجيرات مومباي في 1993 التي أوقعت 257 قتيلا، بالإضافة إلى سلسلة من العمليات التي استهدفت نيودلهي خلال عقد التسعينيات، وقد ألقي القبض على هذا العنصر الخطير فيما كان يحاول دخول الهند عبر نيبال، حيث عُثر معه على جواز سفر يحمل اسم "عبد القدوس"، صادر في باكستان. ولأن الحوار بين البلدين لا بد له من مناخ هادئ بعيد عن التراشق الإعلامي فمن الضروري أولا العمل على استعادة بعض الثقة المفقودة حالياً بين البلدين، فغياب الثقة على ما يبدو هو ما حمّل الهند على إلغاء موعد الحوار، في وقت تسعى فيه المعارضة إلى استغلال الظرف للضغط أكثر على حكومة مانموهان سنج كي لا يلتقي بنواز شريف على هامش اجتماع الجمعية العمومية للأمم المتحدة الذي سيعقد خلال الشهر المقبل بنيويورك، فرغم إعلان الجانب الباكستاني أن رئيس الوزراء يتطلع للقاء سنج، التزمت الهند بالصمت حيال هذا الأمر. ومع أنه من الوارد جداً أن يلتقي الزعيمان في نيويورك يبقى من الصعب إحداث اختراق ما في مسار العلاقات بين البلدين، فرغم النوايا الحسنة التي أبداها نواز شريف وبادلها إياه "سنج" في البداية تظل الحقائق على أرض الواقع أعقد من أن يتم تجاوزها بسهولة، لا سيما بالنسبة لرئيس الوزراء الهندي الذي يتجه نحو سنة انتخابية، ولا يريد أن ينظر إليه كسياسي يقدم تنازلات لباكستان، وفي جميع الأحوال ليست هذه المرة الأولى التي تعرف فيه العلاقات الهندية الباكستانية بعض التوتر. فتاريخ العلاقات قائم على تجاذبات مستمرة، وكلما اقترب الطرفان من التوافق على القضايا الخلافية يحصل ما يعطل هذا التقارب سواء بسبب العمليات الإرهابية التي تستهدف الهند، أو بسبب الأوضاع السياسية الداخلية التي لا تشجع على التقارب. ويمكن القول إن شبه القارة الهندية هي من أكثر المناطق خطورة في العالم بالنظر إلى القدرات النووية للبلدين، وأيضاً لبرامج التسلح الطموحة لكل منهما، لذا ومهما بلغت حدة التوتر على الجانبين الهندي والباكستاني يبقى من الضروري الحفاظ على قنوات الاتصال مفتوحة حتى لا يتطور التوتر إلى حرب جديدة.