حكاية واقعية
طلبه الرئيس ليعرض عليه تولي منصب وزير السياحة، فرد صاحبنا بأن فرنسا وأميركا وسويسرا دول يرتادها السياح دون أن ترعى الحكومات السياحة، فالقطاع الخاص هو من يروج للسياحة. وكان برده يحاول التملص من عرض الرئيس الذي كان من الصعب أن يفهم الرمزية فيما قاله صاحبنا، وهو الرئيس الذي تعلّم في الغرب ومارس مهنته، إلا أن كرسي الرئاسة له قيمه التي تمحو كل ما يتعلق بآليات المجتمع. التقيته في إحدى مقاهي باريس وجلسنا نجتر حديث السياسة كالعادة، وهي علة عربية لا مفر منها. صديقنا يقول: وإذا برئيس الوزراء يحدد موعداً للقائه في منتصف الليل. ويعلّق صاحبنا على ذلك بالقول: هم دأبوا على هذه المواعيد ليوهموا أنفسهم بأن لديهم فعلاً عمل يمتد إلى منتصف الليل! قابل رئيس الحكومة وتلقّى منه عرضاً بالمشاركة في حكومته، وقال له: طلب مني الرئيس تشكيل حكومة تكنوقراط وذكر اسمك. صاحبنا كرر الحكاية مع رئيس الوزراء ليبرر اعتذاره، إلا أن ذلك ما كان بالأمر اليسير، فكيف يرفض مواطن هذه الفرصة! يقول: كان يوم الخميس موعد إعلان حكومة التكنوقراط وما كان أمامي سوى الاختفاء القسري، وبعد أن أعلنت الحكومة لم أجد اسمي معهم ولم أجد أي اسم تكنوقراطي، فذهبت لشرب فنجان قهوة لدى رئيس الحكومة لأقول له: لم توفوا بوعدكم، فرد: إنك على قائمة المستقبل. خرج صاحبنا مع مدير المكتب ليعرف منه القصة، فقال له: ذهب رئيس الحكومة بقائمته ليعرضها على الرئيس وفاجأة الرئيس بقائمة الوزراء وطلب منه اعتمادها وإعلانها للملأ.
وخلال انتظار إعلان الحكومة التكنوقراط زارت صاحبنا جماعة المخابرات، فقالوا له: لا ملف لك لدينا ونريد بعض المعلومات. يقول: وكانت المفاجئة سؤالهم عن نشاط والدي الذي ودع الدنيا، ونشاطه السياسي، فقلت لهم إنه في رحمة الله، لكنهم لم يفهموا المغزى، فكان ردهم: لأي حزب ينتمي والدك؟ رد عليهم: إنه في حزب الله، فأصيبوا بربكة كبيرة، وقالوا أي حزب تتحدث عنه؟ فكان رده: إنه في السماء، فكانت الحيرة بادية على وجوههم، عندما فهموا مقصدي قالوا: كان عليك أن تقول إنه مات.
حكاية من الواقع المرير الذي يعيشه العرب. قلت لصاحبي: كنت في دمشق والتقيت بعض الشخصيات السياسية الفاعلة، وقلت في تعليق إنه لم يعد يجدي منع الصحف الأجنبية وإنه لمخجل أن تصور بعض المقالات وتوزع أثناء الإفطار لمن يريد قراءة الصحف. دخلنا في نقاش حول نية زوجة الرئيس إصدار صحيفة بالإنجليزية، وكانت نصيحتي لا تقبلوا هذه الخطوة إذا كنتم تعتزمون وضع أخبار وصور الرئيس على الصفحة الأولى.
القصص كثيرة حول مرارة الواقع العربي، وكلنا نتساءل إلى متى؟ العلم عند الله، لكن الحقيقة أن التاريخ الذي نتعلم منه، نادراً ما قرأ الزعماء ما في دفتره.
وبعد الحديث الطويل تمنيت النجاح للتنظيم الجديد الذي يعمل عليه صاحبي مع مختلف التكوينات العرقية والاجتماعية في سوريا، وخوفي أن يتحول إلى مشربنا الثقافي العربي ويمسك بالسلطة ويتفنن في مسك مفاصل الدولة كما فعل «الإخوان» في مصر بعد أن وعد مرسي بالخلاص من كل المشاكل في مئة يوم.