لا أتفقُ مع بعض المُنظرين الذين يتناولون ظواهر إعلامية تناولاً انطباعياً وشخصياً؛ فيقومون بإطلاق مسميات مثل: (أفضل مسلسل.. أحلى نجمة .. أضخم إنتاج .. نجاح المسلسل الباهر .. وغيرها) على بعض ما يشاهدونه على الشاشة. ولأنّ شهر رمضان المبارك يحفل بأكبر عدد من المسلسلات والبرامج، فإن نصيب برامجه من (الإشادة أو التقريع) يكون كبيراً ومُبالغ فيه في بعض الأحيان. وبرأينا أن هذه الظواهر لا بد وأن تتم دراستها عبر متخصصين يركنون إلى البحث العلمي، ويستخدمون أدوات القياس العلمية التي تحدّد اتجاهات الظاهرة، ومن ثم يقدمون لها الحلول المناسبة ، ولعل أهم أداة قياس للظواهر الإعلامية هو(تحليل المضمون)Content Analysis، والذي تعوّل عليه كل الدراسات الإعلامية، كما أن دراسات وآراء المتخصصين في الشأن الإعلامي لها من الأهمية في تحديد الاتجاهات، كونها تركن إلى الخبرة والدراسة العلمية التي تتخلص– في كثير من الأحيان- من الدوافع الشخصية أو الانطباعات أو الانفعالات الطارئة. قرأتُ العديد من الآراء الشخصية الانطباعية عن بعض برامج رمضان الفائت، وقد تفاوتت بين الطرح العقلاني المتجرد وبين الانحياز لنمط تفكير الكاتب، أو موقفه الأساسي من التمثيل مثلاً، حيث تردّد – هذا العام – أن المسلسلات الخليجية لم تأت بجديد، وأنها إمعان في"البكائيات" والعويل الذي يتكرر كل عام . وأن قصصها تدور حول موضوع الرجل والمرأة بعيداً عن قضايا الأمة . (مع اختلافي مع هذه النظرة وتقديري لما تم تقديمه من مسلسلات خليجية وعربية لا شك أنها جذبت انتباه شريحة من المشاهدين، ولكن لا بد من قياسها – عبر أدوات القياس العلمية – حتى تكون أحكامنا مُحَدّدة وعادلة). كما شاهدتُ بعض البرامج التي تجاوزت حدود العقل والمنطق، وظهر فيها مواقع وهن وتكرار وضعف في الإعداد والتقديم، ولعلي لا أختلف هنا مع الرؤى التي طُرحت حول بعض برامج المسابقات التي لم تخل من الآتي: 1- عشوائية الإعداد والتقديم، وتركيز البرنامج على شخصية المُقدم الذي يعتمد على نجوميته أو تكراره كل عام ، دون أي اهتمام بشكل البرنامج، أو قيمة المعلومة، أو عقل المشاهد. 2- تواضع ثقافة بعض المقدمين والمقدمات لدرجة أن بعضهن لا يجدن القراءة، ويطرح السؤال وبه عدة أخطاء تربك المتصل، فلا فرق لدى هذا البعض من لفظ (أسنان) على أنها (إنسان) أو لفظ (نيبتون) وهو كوكب في مجموعتنا على أنه (نيوتن) وهو (اسحق نيوتن) صاحب تفاحة الجاذبية! كما أن بعضهن يقوم بنقل السؤال إلى زميله المقدم إن رأينَ أنهن غير قادرات على لفظ عبارة السؤال. وتعجبتُ من عدم قدرة مُقدمة للبرنامج على لفظ اسم نهر (الميسيسيبي) أو منطقة (الأمازون)، علماً بأن الأسئلة الموضوعة في مثل هذه البرامج سهلة جداً إلى حد التجهيل. 3- الاستخفاف بعقول المشاهدين وتسطيح الأفكار وإبراز المحطة على أنها "جمعية خيرية" بإعلان المُقدم : (نحن هنا نقدم الفلوس). بل إن بعض المقدمين يَمنح الجائزة دون إجابة المتصل، أو يقدّم السؤال مع جوابين كلاهما صحيح، وهذا يشجع النشء على الاتكالية والتكالب وعدم البحث عن الإجابة الصحيحة، بل ووصل الأمر ببعض المتصلين إلى طلب الجائزة دون الإجابة إضافة لطلب جائزة عينية مع الجائزة المالية! ورغم ما قد يُقال عن أن طبيعة البرنامج للتسلية ومشاركة المشاهدين وليس إرهاقهم بالتفكير، وهذا نختلف فيه، إلاّ أن الهبوط بمستوى الأسئلة والاستخفاف بعقول المشاهدين والمتصلين لا يمكن أن يُقبل في الدوائر الإعلامية العاقلة. 4- ظهور تصرفات وسلوكيات غير تربوية– خلال التقديم–وانتقادات متبادلة بين (المقدمين)، ولقد ظهر ذلك جلياً على وجه إحدى المقدمات، عندما يزيد زميلها (عيار) الانتقاد لها، كونها لا تقرأ السؤال بالطريقة الصحيحة!. فتبدو (مُكشرة) ومكسورة الخاطر، وهذا صيد ثمين للكاميرا! وهنا لا بد لنا من التفريق بين اللباقة وخفة الدم والانشراح وبين التطاول والاستخفاف بشخصية الزميلة أو الزميل، أو ضرب الأطفال أو التلفظ عليهم بألفاظ غير تربوية أو الاستهزاء بأشكال ولباس بعضهم . 5- انتفاء هدف البرنامج، وهو على ما نعتقد (الإثراء المعرفي والثقافي إلى جانب التسلية) وظهور البرنامج على أنه محطة لتقديم (الفلوس) دون جهد من المتصل، ودون الالتفات لرغبة المشاهدين في الحصول على المعلومات الثقافية . ويحتاج الأمر إلى إعادة نظر من قبل القائمين على مثل هذه البرامج التي فقدت قيمتها وبريقها، هذا إن كان لها بريق!. وأصبحت (عالة) على الشهر الكريم . رغم إيماننا بأن كثيرين من المشاهدين فقراء وقد تسعدهم الثلاثة أو العشرة آلاف أو السيارة أو الهاتف، لكن يجب أن يكون ذلك ضمن إطار المسؤولية والمساهمة في حل السؤال المطروح، رغم تواضعه وتدخّل المُقدم أو المُقدمة في إبراز الجواب بصورة ساذجة ، في إلغاءٍ تام لعقل المتصل. كما يجب أن يتم طرح السؤال دون التعويل على (كوميديا الموقف) أو السخرية حيث ينزلق هدف البرنامج إلى دائرة التجهيل ومنح الجائزة لمن لا يستحقها. لقد أسعدنا الفنانون والفنيون في مسلسلاتهم، وكذلك بعض البرامج الكوميدية الهادفة ذات الرسائل الواضحة، وكذلك البرامج الجادة التي تنمّي العقل وتشرح الصدر وتوسّع المدارك. ولئن كانت هنالك بعض الملاحظات على أي منها فهي لا شك تصب في خانة المصلحة العامة، ويمكن تجنب تلك الملاحظات في الأعمال القادمة. كما أن اهتمام بعض المنتجين والمحطات بالتراث الخليجي أمر حميد، ويعزز ارتباط الجيل الحالي بتراثه وثقافته، ولربما فكّر البعض بعمل معالجات درامية لأحداث سياسية واجتماعية حدثت في الخليج في الماضي وبأسلوب لا يثير أحد أو يزّيف من حقائق التاريخ.