لقد كشف سقوط «الإخوان المسلمين» من السلطة في مصر خلافاً وتوتراً في العلاقات التركية مع الإمارات والكويت، كما أنهُ يؤكد حقيقة أن التلاقي الأمني مع تركيا هو الذي يخلق الاستثمارات والتبادل التجاري لأنه العامل الأهم والبناء في العلاقات التركية الخليجية. فمشهد التوتر كان واضحاً عندما حركت تركيا الورقة التجارية في منع التعامل مع الموانئ المصرية تضامناً مع «الإخوان» مقابل الإمارات والكويت حيث حركتا ورقة الاستثمارات مع تركيا في حالة إيقاف وتجميد، لكي يصبح هناك ردة فعل للرؤى الأمنية المتضاربة. فالبعد الأمني بين دول الخليج العربية (السعودية، العراق، الإمارات، الكويت، قطر، البحرين، عمان) وتركيا هو الذي يمهد لعلاقات اقتصادية بين الطرفين عندما يكون هناك توافق وتلاق، والذي بدورهِ قد يعكس إمكانية للتكامل الخليجي التركي في الشؤون الأمنية ذات الروابط الاقتصادية في المنطقة، والذي يعد محوراً رئيسياً في الاستقرار والتنمية. فالبعد الأمني بين تركيا ودول الخليج العربية منذ 1945 وحتى اليوم هو العامل الممهد للعلاقات الاقتصادية، فالسجل التاريخي للعلاقات بين الطرفين يؤكد ذلك، فقد كانت العلاقة ضعيفة في فترة (1945 – 1971)، بسبب أن معظم الدول الخليجية استقلت في 1971 باستثناء العراق 1932، وتكون السعودية 1923 والكويت 1961. رغم ذلك، كانت هناك أدوار سياسية أمنية مهمة كعلاقة تركيا مع السعودية حيث يسجل التاريخ بأن أول دولة اعترفت بالمملكة السعودية هي تركيا عام 1926، وعلاقاتها مع العراق مهمة جداً بسبب الجوار الجغرافي، والتي نتج عنها تلاق أمني في تشكيل حلف ضد المد الشيوعي والاشتراكي (حلف بغداد 1955)، كما أن تركيا أصبحت عضو في الحلف الأطلسي منذ 1952 مما جعلها لاعباً مهماً في العلاقات الإقليمية مع نهجها الغربي في التطور والحداثة مع الاعتراف بإسرائيل 1949. تطورت العلاقات بصورة قوية بسبب الدواعي الأمنية في الفترة الممتدة (1972 - 1979) حيث كان لحرب 1973 وبروز قوة النفط فيها دوراً مهماً، فتركيا أثناء حرب 1973، أعلنت أن القواعد الأميركية لن تستخدم ضد العرب، كما أن النفط كان سبباً في تطور العلاقات التركية- الخليجية في الجوانب الاقتصادية والسياسية والثقافية. إضافة إلى ذلك، ازدادت العلاقات التركية الخليجية تقارباً في 1979 وذلك بسبب اعتراف مصر بإسرائيل، والذي هدم فكرة أن تركيا تتآمر على الدول العربية بسبب الخلفية التاريخية من الثورة العربية (تحالف الهاشميين مع الإنجليز ضد العثمانيين)، كما أن قيام الثورة الإيرانية ودخول الاتحاد السوفييتي أفغانستان قاد إلى تقارب أمني مع تركيا ضد النفوذ الشيوعي وضد الثورة الإسلامية الشيعية. وكانت تركيا محوراً مهماً لأمن الخليج على المستوى الدولي والإقليمي، حيث أن نظام الشاه في إيران سقط وهو حليف لأميركا، والاتحاد السوفييتي دخل أفغانستان، وبذلك أصبح السوفييت قريبين من منابع النفط، فانتقلت أميركا من مبدأ «نيكسون» الذي يعتمد على القوة الإقليمية إلى مبدأ «كارتر» الذي أكد أن الولايات المتحدة تعتبر أية محاولة خارجية تستهدف الخليج اعتداء على مصالحها الحيوية، هنا ازداد دور تركيا أهمية على المستويين الدولي والإقليمي. لم تختلف العلاقة بين دول الخليج العربية وتركيا في البعد الأمني، ففي الفترة الممتدة من (1980 -1991) تعرضت دول الخليج إلى حربين، فرغم أن تركيا لعبت دوراً شبه محايد في حرب الخليج الأولى، فإنها لعبت دوراً فعالاً في تحرير الكويت في حرب الخليج الثانية. وكان موقف تركيا من إنشاء مجلس التعاون الخليجي عام 1981 موقفاً إيجابياً. وتعتبر القضية الفلسطينية عاملاً مهماً في العلاقة بين الطرفين من الناحية الأيديولوجية أو العاطفية. وعلى الرغم من أن تركيا معترفة بإسرائيل، فقد دعمت القضية الفلسطينية، فإن هناك بعض العقبات في تطور تلك العلاقة وهو اعتراف منظمة التحرير الفلسطينية بحزب «العمال الكردستاني» عام 1984. طرحت أفكار أمنية في الفترة منذ منتصف التسعينيات من القرن المنصرم كإمكانية خلق محور أمني لاستقرار المنطقة العربية عبر (تركيا والسعودية وإيران ومصر) أو(السعودية وتركيا ومصر وسوريا)، وكلها لم تر النور في الواقع، وتوترت العلاقة التركية مع المنطقة الخليجية والعربية، بسبب تقاربها مع إسرائيل في الشؤون الأمنية والاقتصادية عام 1996. ففي الفترة المعاصرة يعود البعد الأمني مجدداً كمحدد رئيسي في العلاقات بين الطرفين، فعندما فاز حزب «العدالة والتنمية» في انتخابات تركيا 2002، جاء البعد الأمني كعامل مهم في التقارب بين الطرفين، حيث تركيا أصبحت أكثر توجساً من بروز الأكراد في إقليمهم في شمال العراق واحتمال التمدد نحو إيران وسوريا، كما أن تحول إيران إلى دولة نووية وتبعية العراق لها قاد إلى فكرة احتمال إيجاد دولة تلعب دوراً رادعاً لإيران كتركيا. وإذا كان هناك توجساً خليجياً من التعاون بين تركيا وإيران حيث توجد مصالح اقتصادية في أسواق إيران وتحديداً تصدير الغاز الإيراني إلى أوروبا عن طريق تركيا والتعاون مع دول آسيا الوسطى في مجال الطاقة وطموح تركيا في أن تصبح طريقاً جديداً للحرير (طريق لمرور صادرات الطاقة إلى أوروبا)، إضافة للتعاون ضد بروز القضية الكردية في دولة مستقلة، فإن إيران النووية ستكون مُقزمة لدور تركيا في المنطقة، مما يدفع تركيا إلى علاقات قوية مع دول الخليج العربية. حقيقةً، ففي جميع الفترات التاريخية منذ 1945 إلى يومنا هذا يعد البعد الأمني بين الطرفين سبباً في التقارب، وأيضاً في خلق علاقات تجارية واستثمارية كبيرة، أجل هناك عوامل مهمة مثل العلاقة مع إسرائيل ونهاية الحرب الباردة، وعدم الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، كما أن تركيا عندما تتوتر علاقاتها مع الدول الغربية تتجه إلى محيطها الإقليمي، كالضغط الغربي على النظام التركي بسبب دور المؤسسة العسكرية، والملف الكردي داخل تركيا، والقضية القبرصية واليونانية والأرمينية. وآخر حلقة من حلقات البعد الأمن بين دول الخليج العربية وتركيا سقوط «الإخوان المسلمين» في مصر ووجود دعم من قبل الإمارات والكويت والسعودية في هذا السقوط، والذي عكس توتراً في العلاقة مع تركيا، لأن حزب «العدالة والتنمية» كان يحمل قوة ناعمة في نهجهِ السياسي، ويريد أن يكون له علاقات قوية مع أنظمة إسلامية عربية جديدة، وهذه الأنظمة الإسلامية ستكون ضد استقرار الخليج والمنطقة العربية، وتبقى فكرة التكامل الأمني بين الطرفين واردة لكن ليست بقوة بل رهينة التلاقي في المصالح والرؤى الأمنية، والمصالح الأمنية عندما تكون روابطها وثيقة وقوية لابد أن تقود إلى تحصين، وليس تحسين العلاقات السياسية والاقتصادية.