إذا كان هناك من فريق عانى أكثر من غيره من تقلبات السياسة المصرية ومن الصراعات العديدة التي تهز الشرق الأوسط فهو حركة «حماس». والتغيرات المتلاحقة على «حماس» المرتبطة بجماعة «الإخوان المسلمين» توفر نموذجاً مصغراً يتيح للمراقب معرفة تأثيرات الأحداث الجارية في المنطقة، والاضطرابات التي تموج بها على دور الحركة الإسلامية ومستقبلها السياسي؛ وهي تأثيرات كانت بالنسبة لـ«حماس» كارثية بكل المقاييس، والأمر هنا لا يقتصر على الأحداث في مصر التي أطاحت منذ عام2011 رئيسين مع ما لذلك من تأثير على سكان غزة، بل تتخطاها إلى اضطرابات أعمق مثل الخسارة المالية والاستراتيجية التي تكبدتها الحركة جراء تركها سوريا وتخليها عن حليفتها إيران، ما جعل مواردها الأساسية من التأييد السياسي والتمويل وتوفير السلاح تنضب بسرعة. كما أن الأهمية التي تحظى بها القضية باعتبارها حركة مقاومة في أعين العرب بدأت تتراجع إلى الوراء في خضم الأزمات الأخرى التي تغرق فيها شعوب الدول العربية وانشغال حكوماتها بمشاغلها الخاصة؛ فقبل سنتين ونصف السنة، عندما سقط مبارك استقبلت غزة الحدث بالفرح والابتهاج، مطلقة الألعاب والعيارات النارية، والسبب أن مبارك انتهج سياسة مواجهة «الإخوان» في الداخل وفرض الحصار على غزة التي رأى في حكامها شركاء خطيرين لخصومه في الداخل، فلم تكن إسرائيل وحدها من تغلق المعابر والحدود في وجه غزة، بل أقدم نظام مبارك أيضاً على الشيء نفسه، فارضاً قيوداً صارمة على التنقل من وإلى غزة عبر معبر «رفح» المصري. وعندما اندلعت شرارة الانتفاضات العربية في تونس ومصر بدا الأمر وكأن «الإخوان المسلمين» سيحققون مكاسب، فانتعشت معها آمال «حماس»، ووصل الابتهاج أوجه عندما فاز مرسي في الانتخابات الرئاسية. بيد أن الفرح توقف عند تلك النقطة، فتحت حكم مرسي تحولت منطقة شبه جزيرة سيناء المجاورة لغزة إلى ساحة عنف تنطلق منها الهجمات ضد الجنود المصريين، وبدلاً من تخفيف القيود المفروضة على قطاع غزة عمد الجيش المصري إلى تشديد الخناق، وإغلاق المزيد من الأنفاق حتى أكثر مما كان يفعل نظام مبارك، بل إغراقها بمياه المجاري. ثم جاءت الضربة التالية من سوريا، فقبل اندلاع الثورة كان نظام الأسد يوفر لـ«حماس» ملاذاً مريحاً وآمناً في دمشق، ولاسيما أنها طرف ضمن «محور الممانعة» الذي تشكل من تحالف يضم إيران وسوريا و«حزب الله» و«حماس» بهدف معلن هو مقاومة إسرائيل، وكان المحور يوفر للحركة الدعم الدبلوماسي والعسكري واللوجستي والمالي، ولكن فجأة واجه ديكتاتور دمشق وصديق «حماس» ثورة شعبية تصدى لها بالعنف والقتل، وقوبل ذلك بغضب عارم من العالم العربي لتجد «حماس» نفسها مضطرة للتخلي عن الأسد والخروج من سوريا. وبالطبع أغضبت هذه الخطوة إيران و«حزب الله» وسوريا، وكلفت الحركة فقدان الدعم المالي والاستراتيجي الذي كانت تحصل عليه. ولكن على رغم ذلك بدا وكأن «حماس» قامت بالخيار الصائب، ففي جميع الأحوال كان أصدقاؤها يكسبون الساحة في مصر، كما أن قطر وتركيا اللتين تدعمان «الإخوان المسلمين» عرضتا مساعدتهما على الحركة وتعويض ما خسرته إثر خروجها من سوريا، وهكذا انتقل قادة «حماس» من دمشق إلى القاهرة والدوحة. غير أن الأمور لم تستقر على هذا الحال بل زادت التقلبات ومعها متاعب «حماس»، فمرسي الذي لم يكن ذا جدوى كبيرة للحركة أُسقط في مظاهرة شعبية حاشدة تدخل الجيش على إثرها لإطاحته، بل أكثر من ذلك انقلب الشعب المصري على «الإخوان المسلمين» ومعهم «حماس» التي ينظر إليها في مصر على أنها حليفة «الإخوان» المتراجعة شعبيتهم، فقد كشف استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «زعبي» في أبريل 2012 أنه من بين 5029 مصرياً تم استجوابهم أبدى 26 في المئة منهم فقط ثقتهم في حزب الحرية والعدالة، هذا بالإضافة إلى تحميل العديد من المصريين مسؤولية العنف في سيناء لحركة «حماس»، والنتيجة أن «أبو مرزوق»، نائب مدير المكتب السياسي للحركة، الذي كان حتى فترة قريبة يدلي بأحاديث من مكتبه في القاهرة، فر من مصر. ومع أن «حماس» ما زالت حليفة مقربة من جماعة «الإخوان المسلمين» المصرية، إلا أن هذه الأخيرة منشغلة اليوم بمشاكلها ولديها من الأمور العاجلة ما لا يسعفها للاهتمام بالآخرين، والأمر نفسه ينطبق على باقي فروع «الإخوان» في بلدان أخرى والمنشغلة أيضاً بأوضاعها الداخلية. ومع ذلك وعلى رغم الضعف الذي لحق بها، ما زال خصومها والجيش في مصر يتعاملون مع «حماس» باعتبارها تهديداً أكبر من أي وقت مضى، وحتى الحلفاء الخارجيون منشغلون بأمورهم الداخلية، فقطر التي شهدت انتقالاً سلساً للسلطة من الأمير الوالد إلى الأمير الابن ربما لن تكون بنفس الاستعداد لدعم «حماس». أما أردوغان الذي يعد أحد أقوى أنصار «حماس» فهو أيضاً يواجه اضطرابات داخلية، ويبدو أن الجميع اليوم انقلب على «حماس»، فأصدقاء الأمس الممثلون في إيران والأسد و«حزب الله»، يشعرون بأن الحركة خانتهم، والأصدقاء الآخرون مثل «الإخوان المسلمين» وقطر وتركيا منصرفون إلى أمورهم الخاصة لتظل الخلاصة الأساسية التي يمكن لـ«حماس» أن تخرج بها الشرق الأوسط اليوم لا شيء يبقى فيه على حاله. كاتبة محللة سياسية أميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم. سي. تي. إنترناشونال»