الواقع أن كون العديد من القراء لن يعرفوا من هي الليدي آشتون فذلك يعطيني سبباً إضافياً للكتابة عنها من جديد. فآشتون هي بدون شك الشخص غير المناسب في المكان غير المناسب، وهذا يخبرنا بالكثير عن الاتحاد الأوروبي في 2013، الاتحاد الذي بات الكثير من أشد أنصاره اليوم يشعرون ببعض الخجل. في نوفمبر 2010، شكل اختيار آشتون، السكرتيرة الإدارية للحملة من أجل نزع الأسلحة النووية بين عامي 1977 و1979، لتصبح مفوضة الاتحاد الأوروبي للسياسة الخارجية، مفاجأةً كبرى بالنسبة للدبلوماسيين الدوليين. وقد جاء تعيينها -وهي شخصية مغمورة لم يكن يعرفها إلا القلائل خارج المملكة المتحدة، بل وغير معروفة جداً حتى داخلها- كنتيجة للتخوف على أعلى مستويات الاتحاد الأوروبي. وقد بدأت آشتون حياتها العامة كرئيسة لهيئة صحية مغمورة، ثم أصبحت زعيمة لمجلس اللوردات معينة عن حزب العمل. وقد أخبرني زميل في المجلس أنها أبلت بلاءً حسناً في تمرير «اتفاقية لشبونة» المثيرة للجدل في مجلس لوردات مضطرب ومنقسم ومنتقد؛ لكنها لم تكن قد انتُخبت لأي منصب من قبل الشعب البريطاني. كما أنها، وخلافاً لكريستوفر باتن المفوض الأوروبي الأسبق اللامع، لم تكن لديها أي خلفية في الشؤون الخارجية. وكان من الواضح أنها لن تكون من طينة زعماء الشؤون الخارجية الأوروبيين الذين سيهرعون إلى هايتي، قبل وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، من أجل زيارة عمال الإغاثة التابعين للاتحاد الأوروبي. ومما يؤخذ على آشتون أنها عندما ظهرت أمام المفوضية الأوروبية الجديدة لأول مرة، لم يكن لديها الكثير لتقوله؛ كما أن كرهها لمقر عسكري للاتحاد الأوروبي أثار بعض الانتقادات. والحق أنها ساهمت في تأسيس «جهاز العمل الخارجي الأوروبي»، لكن البرلمانيين الأوروبيين يشتكون من أنها لم تكن أوروبية على الساحة الدولية. واليوم، هناك شعور قوي جداً بأن منصبها ينبغي أن يشغل من قبل شخصية عامة أوروبية كبيرة، ومن قبل شخص قادر على إعطاء صورة أقوى وأحسن لسياسات الاتحاد الأوروبي الخارجية. وفي هذه الأثناء، نقلت صحيفة «التايمز» الخبر الذي كان ينتظره الكثيرون: آشتون استسلمت للأمر الذي لا مفر منه، وهي في طريقها للتنحي من منصبها كمسؤولة لسياسة الاتحاد الأوروبي الخارجية العام المقبل. وقد نُقل عنها قولها، وهي التي تكره أضواء وسائل الإعلام وتفضل «الدبلوماسية الهادئة»، أن «هناك أشخاصاً يستطيعون القيام بأمور ربما لم أستطع القيام بها، ومع ذلك سيكون من الأفضل تسليم المشعل». غير أن هذه اللغة الدبلوماسية اللطيفة والودية لا تكفي. ومعلوم أن جوردون براون، رئيس الوزراء العمالي وقتئذ، كان قد لعب دوراً أساسياً في حصولها على هذا المنصب المهم؛ لكنها لم تكن جيدة بما يكفي، إذ تضرر المنصب جرّاء أدائها لسنوات. والأكيد أن المناصب الأولى في أوروبا يجب أن تذهب إلى الأشخاص الأوائل في أوروبا. إن أحد الأسباب الأساسية لتشكيل اتحاد أوروبي هو تعظيم نفوذ أوروبا وتأثيرها على بقية العالم؛ فنحن مضطرون للتعامل مع دول قوية مثل الولايات المتحدة والصين وروسيا؛ والمؤكد أن صوتاً أوروبياً واحداً، بدلا من 27 صوتاً مختلفاً، أمر معقول ومنطقي جداً. لكن السؤال حالياً هو: من هم الأشخاص الذين ينبغي بحث إمكانية تعيينهم في منصب «وزير خارجية» أوروبا، علماً بأن بعض الأشخاص، مثل ويليام هيج وزير الخارجية البريطاني الرائع، لديهم بعض التحفظ على هذا اللقب؟ الأكيد أن كل زعيم داخل الاتحاد الأوروبي سيُعد قائمته القصيرة الوطنية، وقائمة أطول في حال كانت الشخصية الوطنية المرشحة لن تنجح. غير أن هناك مرشحاً قوياً ومؤهلا ينبغي بحث إمكانية تعيينه في هذا المنصب، وهو «رادك سيكورسكي»، وزير الخارجية البولندي المتخرج من جامعة أوكسفورد. فسيكورسكي، الذي يعتبر من المتحمسين للاندماج الأوروبي، رُشح رسمياً من قبل بلاده لمنصب الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي؛ وقد ذهب رئيس الوزراء البولندي «دونالد تاسك» إلى الإذاعة البولندية لوصف وزير خارجيته باعتباره «مرشحاً طبيعياً». ويشار هنا إلى أن سيكورسكي كثيراً ما يحل ضيفاً على برامج الإذاعة والتلفزيون البولنديين حيث يُظهر ذكاءً وبراعة. لكني سعيد أيضاً بوجود اسمين كبيرين ومبهرين آخرين يتم اقتراحهما: وزير الخارجية السويدي كارل بيلدت، الذي يشغل هذا المنصب منذ سنوات، ويُعتبر محنكاً ويحظى بالاحترام والتقدير؛ وألكسندر ستاب الذي يشغل حالياً منصب وزير خارجية فنلندا. وبعد مغادرة الليدي آشتون، ينبغي على المملكة المتحدة ألا تتوقع الحصول على هذا المنصب مجدداً في المستقبل القريب. ولاشك أن كاميرون سيكون حريصاً على أن تتولى المملكة المتحدة حقيبة اقتصادية مهمة. والواقع أن مجرد ذكر هذه الأسماء يمثل تذكيراً بالمواهب والخبرات التي يزخر بها الاتحاد الأوروبي على أعلى المستويات!