في الوقت الذي يستأثر فيه الصراع السوري بالاهتمام الدولي، تواصل إيران برنامجها النووي. وبينما يستفيد الإيرانيون من جيل جديد من أجهزة الطرد المركزي لتطوير برنامجهم النووي، وهي أجهزة قادرة على تسريع عملية التخصيب بثلاث إلى أربع مرات، وصلت مفاوضات مجموعة الدول 5+1 مع طهران إلى طريق مسدود. وحتى الضغوط الاقتصادية التي تكلف إيران غالياً لم تدفعها إلى وقف برنامجها النووي ومراجعة مواقفها السياسية. وإذا كان المرشد الأعلى قد اعترف مؤخراً بقساوة العقوبات على الاقتصاد الإيراني، فإنه في الوقت نفسه يعتقد بأن إيران تحملت الأسوأ. لكن بالنظر إلى الأهداف التي حددتها إدارة أوباما، والمتمثلة في منع إيران من اكتساب السلاح النووي، لابد لهذا المأزق من حل، كأن يقتنع علي خامنئي أنه عندما تقول الولايات المتحدة بأن الفرصة أمام الدبلوماسية بدأت تضيق، وبأن الوقت آخذ في النفاد... فهي تعني ما تقوله، وأن النتيجة ستكون اللجوء إلى القوة. لكن ربما يعتقد الإيرانيون أن تردد أميركا بشأن سوريا وتحفظها عن التدخل في الصراع، وانسحابها من العراق، وخروجها القريب من أفغانستان (في2014)، والحديث عن نقل التركيز الاستراتيجي صوب آسيا... كل ذلك يعطي المزيد من الوقت لطهران ويثني أميركا عن استخدام القوة. والمشكلة أن إصرار أوباما على التلويح بالقوة، وبأنه جاد فيما يقوله عن نفاد صبره، قد يؤدي في حال القراءة الإيرانية الخاطئة للتحركات الأميركية وعدم أخذها على محمل الجد، إلى حرب حقيقية في المنطقة. ومن هذا المنطلق نرى أنه لكي تنجح الجهود الدبلوماسية المبذولة حالياً، ومنحها الفرصة الكاملة، على الولايات المتحدة تغيير استراتيجيتها التفاوضية مع إيران؛ وذلك بالانتقال من عملية بناء الثقة التي اعتمدتها أميركا في المرحلة السابقة، وتبادل الخطوات بين الجانبين في منهج متدرج وبطيء شجع الإيرانيين على المناورة ومدهم بأمل مغلوط، إلى قدر أكبر من الوضوح، بحيث يتعين على واشنطن وضع جميع الأوراق على الطاولة وتوضيح ما يمكنها قبوله من إيران وما لا يمكن السماح به في البرنامج النووي، ليعطي ذلك مصداقيةً أكبر للتصريحات الأميركية بأن وقت الدبلوماسية بدأ بالفعل في النفاد. فالمقاربة التي انتهجتها أميركا حتى هذه اللحظة في التفاوض مع إيران، والقائمة على بناء الثقة والبحث عن اتفاق محدود، في محاولة لكسب الوقت للوصول إلى اتفاق شامل في المستقبل، لا يمكنها النجاح ولن توصل إلى إيران الرسالة الضرورية حول نفاد الوقت. وحتى لو كان ذلك ممكناً من الناحية العملية، فإنه غير مفيد للمصالح الأميركية. ولعل ما يشجع أميركا على الاعتقاد بإمكانية الوصول إلى اتفاق مرحلي محدود هو الرأي القائل بأنه يكفي وضع سقف أمام التخصيب الإيراني لليورانيوم بما لا يتجاوز 20 في المئة لمنع الانتقال إلى مرحلة تصنيع الأسلحة. لكن حصول إيران على كميات كبيرة من اليورانيوم المخصب لدرجة 20 في المئة يسهل عليها إنتاج وقود نووي وصنع القنبلة في مدة لا تتجاوز 40 يوماً. كما أنه في ظل العدد المتزايد من أجهزة الطرد المركزي المتطورة، أجهزة الجيل الثاني التي تستخدمها إيران، فإنه يمكنها الانتقال بسرعة في عملية التخصيب للوصول إلى مستويات تمكنها من تصنيع السلاح النووي. لذا يتعين على أميركا قطع الطريق على إيران، والتي تواصل الاعتقاد بأنها لم تتجاوز الخط الأحمر، بتحديد ما هو مطلوب، على أن يكون ذلك قبل الانتخابات الرئاسية في 14 يونيو الجاري حتى يتاح لإيران الوقت الكافي لاستيعاب التغير في المقاربة الأميركية بالانتقال مباشرة إلى ما هو مطلوب. وترتكز المقاربة الجديدة على تحديد ما هو مقبول في البرنامج النووي المدني لإيران، بعدما تم تجاهل هذا الموضوع في الخطة السابقة، بحيث سيعني ذلك القبول بتخصيب محدود لليورانيوم، وعلى أن يخضع لمراقبة صارمة وقابلة للتحقق، وهو ما سيمنع إيران من مفاجأة العالم بقنبلة نووية. ومن الناحية العملية سيكون هناك سقف لعدد أجهزة الطرد المركزي المستخدمة، وحد أقصى من عملية التخصيب، والحجم الذي سيبقى داخل إيران. وبالطبع إذا أبدت طهران استعدادها لتعديل برنامجها النووي ليناسب هذه الشروط، فلابد من رفع العقوبات الاقتصادية، لكن بدون التعديل في البرنامج لن ترفع العقوبات. وبالإضافة إلى حرمان إيران من تبريراتها الخاصة بالأغراض المدنية لبرنامجها النووي، ستوضح المقاربة الجديدة ما هو مطلوب من إيران من دون مواربة أو غموض، فبمنح إيران ما تقول إنه حقها متمثلاً في برنامج مدني، ستفضح الولايات المتحدة النوايا الحقيقية لإيران أمام العالم ورأيها العام. فلو رفضت إيران فرصة الحصول على برنامج نووي موجه فعلاً للأغراض المدنية، فإن ذلك سيعني أن هدفها الحقيقي هو حيازة السلاح النووي. وفي هذه الحالة ستكون واشنطن في وضع أفضل للدفاع عن استخدام القوة أمام المجتمع الدولي. فالدبلوماسية الصارمة تنجح فقط عندما تؤخذ التهديدات على محمل الجد ويوضع حد للمناورات والألاعيب، لذا يأتي طرح مقترح واضح يكشف الأوراق جميعاً أمام إيران ويقنعها بجدية التصريحات الأميركية والتصميم على منع امتلاكها السلاح النووي. ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ دينيس روس باحث في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى ومستشار سابق للرئيس أوباما ديفيد ماكوفسكي باحث في نفس المعهد ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»