بالنسبة لأي طفل، لا تستغرق عملية التطعيم بأي لقاح سوى لحظة (وربما تُكلفه قليلاً من الدموع). ولكن مثل هذه اللحظات تشكل أهمية حاسمة في منح الأطفال بداية صحية في الحياة، وفي تعزيز التقدم على مسار تحقيق أهداف الصحة العالمية والتنمية. ومع ولي عهد أبوظبي سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، فإننا نعلق أهمية كبيرة على أول قمة عالمية في العاصمة الإماراتية أبوظبي، وتهدف إلى ضمان حصول كل أطفال العالم على الفوائد الكاملة من اللقاحات. فهذه اللقاحات توفر الحماية للناس مدى الحياة، وتُعَد من أكثر الاستثمارات فعالية من حيث جدواها في تحسين عالمنا. فقد نجحت اللقاحات في القضاء على مرض الجدري، وجعلتنا قاب قوسين أو أدنى من استئصال مرض شلل الأطفال، وأنقذت حياة ملايين الأطفال من الحصبة، والدفتريا، والتيتانوس، وغيرها من الأمراض المميتة والمسببة للعجز. ويرجع جزء كبير من الفضل إلى اللقاحات في انخفاض عدد الأطفال الذين يموتون قبل سن الخامسة من 20 مليون طفل في عام 1960 إلى 6,9 مليون طفل في عام 2012، على الرغم من الزيادة الكبيرة في عدد سكان العالم. إن المرض يستنزف أعظم الأصول التي يمتلكها أي بلد، التي تتضمن الطاقات والمواهب التي يتمتع بها شعبه. وهي خسارة قاسية بشكل خاص بالنسبة للدول الفقيرة الساعية إلى اكتساب موطئ قدم في الاقتصاد العالمي. ولكن عندما يتمتع الأطفال بالصحة، فإن الأسر تتحرر من عبء الرعاية الطبية المكلفة، الأمر الذي يسمح لها بإنفاق المزيد على الغذاء والتعليم. والأطفال الأصحاء يواظبون أكثر من غيرهم على الذهاب إلى المدرسة، وهم أكثر قدرة على التحصيل والتعلم، وبوسعهم أن يصبحوا عندما يبلغون أكثر إنتاجية. وتشير البحوث الحديثة إلى أن اللقاحات تفيد أيضاً في تحسين تطور القدرة الإدراكية لدى الأطفال، وتساعد في رفع إنتاجية العمل، وتسهم في النمو الاقتصادي الإجمالي لأي بلد. ورغم هذا، فإن أكثر من 22 مليون طفل لا يحصلون على اللقاحات الأساسية التي يعتبرها الناس في البلدان ذات الدخل المرتفع من الأمور المسلم بها. ويعيش هؤلاء الأطفال في مجتمعات فقيرة ونائية، حيث خطر الإصابة بعدوى المرض هي الأعلى على الإطلاق. فالطفل الذي يولد في دولة ذات دخل منخفض تزداد احتمالات وفاته قبل بلوغه سن الخامسة إلى 18 ضعف الاحتمالات بالنسبة للطفل الذي يولد في دولة ذات دخل مرتفع. وتقع الجهود الرامية إلى إنهاء هذا التفاوت الرهيب في قلب الحملة الأكثر نجاحاً في التاريخ لمكافحة الفقر، والتي تتمثل في "الأهداف الإنمائية للألفية". تبنى العالم الأهداف الإنمائية للألفية في عام 2000، عندما وافق الزعماء المجتمعون في الأمم المتحدة على خفض الفقر المدقع والجوع إلى النصف، ومكافحة المرض، وتحسين سلامة المياه والصرف الصحي، وتوسيع نطاق التعليم، وتمكين الفتيات والنساء. وكانت المكاسب ملحوظة، ولكن الطريق لا يزال طويلاً- ولم يتبق سوى 1000 يوم عمل قبل حلول الموعد النهائي في عام 2015. إن رفع مستوى تغطية التحصين على مستوى العالم من شأنه أن يُعجل بالتقدم نحو تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية، وتوليد الزخم اللازم نحو وضع أجندة تنمية ناجحة لمرحلة ما بعد عام 2015. وقد أقرت جمعية الصحة العالمية، التي تمثل 194 دولة ملتحقة بعضوية منظمة الصحة العالمية، رؤية مشتركة معروفة باسم "عِقد من اللقاحات لعالم خال من الأمراض" التي يمكن الوقاية منها باستخدام اللقاحات، مع وصول الفوائد الكاملة للتحصين إلى كل الناس، بصرف النظر عمن هم أو أين يعيشون. وسوف يكون استئصال شلل الأطفال بمثابة علامة فارقة على الطريق نحو تحقيق هذه الرؤية. وبالاستعانة بخطة جديدة شاملة يتم تقديمها في مؤتمر القمة، فإن العالم سوف يحظى بخريطة طريق واضحة للوصول إلى عالم خال من شلل الأطفال بحلول عام 2018. وتعمل هذه الخطة جنباً إلى جنب مع جهودنا الشاملة لرفع مستوى تغطية التحصين ضد أمراض أخرى مثل الحصبة، والالتهاب الرئوي، وفيروس الروتا. والواقع أننا نرى الآن مدى القوة التي تتمتع بها أنظمة التحصين في حماية مكاسبنا في مواجهة شلل الأطفال، وتزودنا بمنصة ننطلق منها إلى أكثر الأمهات والأطفال عُرضة للخطر حاملين معنا اللقاحات الجديدة والرعاية الصحية الأولية. وإذا كللت جهودنا بالنجاح، فسوف نتمكن بحلول نهاية هذا العقد من إنقاذ ما يزيد على 20 مليون إنسان، ومنع ما يقرب من مليار حالة إصابة بالمرض، وتوفير نحو 12 مليار دولار من تكاليف العلاج فقط. وفي عملية تحرير الناس من عبء المرض، فإننا سوف نطلق العنان لإمكانات بشرية لا تقدر ولا تحصى. "الأهداف الإنمائية للألفية"، و"عِقْد من اللقاحات"، يثبتان أن أهداف التنمية العالمية المركزة قادرة على إحداث أعظم الأثر. فهي تُظهِر قوة الشراكة التي تجمع بين الأمم المتحدة، والحكومات، ووكالات التنمية، والمجتمع المدني، والمؤسسات، والقطاع الخاص. وعلى مدى الأيام الألف المقبلة وما بعدها، فسوف يقاس تقدمنا على ما نفعله من أجل تحسين حياة أعضاء أفراد الأسرة الإنسانية، خاصة فيما يتعلق بتقليص فقرها والحد من تعرضها للخطر. ولنبدأ الآن بإلزام أنفسنا من جديد بتحقيق الرؤية المشتركة لعالم، حيث يتمكن كل الأطفال من الحصول على الفرصة في بداية عادلة بفضل حماية اللقاحات. وسوف يشكرنا هذا الجيل وأجيال كثيرة قادمة على تحقيق هذه الرؤية. بان كي مون الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة ــ ـ ـ ـ ـــ بيل جيتس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـــ الرئيس المشارك لمؤسسة "بيل وميليندا جيتس" ينشر بترتيب خاص مع خدمة "بروجيكيت سينديكيت"