قد يكون «توم برادي» أفضل من يشغل مركز الظهير في كرة القدم الأميركية، ولكنه مشهور بالبطء لحد مثير للسخرية. وقد أثارت مقاطع مصورة على موقع يوتيوب لاختبارات سرعته، آلاف التعليقات من عشاق الرياضة الباحثين عن المرح. ولو كان فريق «نيو انجلاند باتريوت» قد اختار ظهيراً ربعياً، اعتماداً على مقياس السرعة فقط، لكانوا قد خسروا ثلاثة مواقع لـ«كأس السوبر»(فازوا بها بفضل برادي)، ولكن الفرق المشاركة في «دوري كرة القدم الوطني» – لحسن الحظ-تتطلب من المتقدمين للعب في صفوفها عادة إجراء اختبارات في الركض، والوثب، ورفع الأثقال معاً. فالكشافون الذين يختارون اللاعبين الجدد يقضون ساعات طويلة في اختبارهم، ويشاهدون أفلاماً لمباريات شاركوا فيها... باختصار يستخدمون مقاييس متعددة لضمان اختيار أفضل اللاعبين. بطريقة مشابهة تقريباً لتلك التي يتم بها اختيار وتنمية المواهب في الفرق الرياضية، وتوجد أمامنا في الوقت الراهن نافذة فرص في مجال التعليم العمومي، لخلق منظومات تعليمية تشجع، وتطور، إمكانيات المعلمين الواعدين، ما يؤدي في نهاية المطاف، لنتائج جيدة بالنسبة للطلاب. وتبذل حالياً جهود لتعريف ماهية التعليم الفعال، ومنح المعلمين الدعم الذي يحتاجون إليه بأفضل الطرق وأكثرها فعالية. ولكن في الوقت الذي تسارع فيه الولايات والمناطق التعليمية الخطى، لإنجاز منظومات جديدة لتقييم وتطوير المعلمين، ثمة خطر يتمثل في احتمال استخدامها لمقاييس معدة على عجل، وغير مجربة. من الأمثلة الصارخة على ذلك، الاندفاع نحو تطوير تقييمات جديدة في الدرجات، والموضوعات والدراسات، غير المشمولة حالياً في اختبارات الولايات. بعض الولايات، والمناطق التعليمية تتحدث حالياً عن تطوير اختبارات في جميع الموضوعات الدراسية، بما في ذلك الرياضة والموسيقى، لمجرد أنهم يريدون شيئاً يتسلون بقياسه. هذا سبب واحد من ضمن أسباب عديدة لردود الفعل المضادة للاختبارات الموحدة، وخصوصاً المتعلق منها باستخدام الدرجات التي يحصل عليها الطلاب كمعيار أساسي لاتخاذ القرارات المتعلقة بفصل، وترفيع، وتقدير مكافآت نهاية الخدمة الخاصة بالمدرسين. وأنا أؤيد بالطبع مبدأ المسائلة وتقييم الأداء، ولكنني أدرك في الوقت نفسه هموم المدرسين وإحباطاتهم. وحتى بالنسبة للموضوعات التي ثبت فيها فعالية التقييمات مثل اللغة والرياضيات، لا تُظهر الدرجات التي يحصل عليها الطلاب في الاختبارات، الجوانب التي يحتاج المدرسون إلى تحسينها. وإذا لم نكن حريصين بشأن مسألة تكوين منظومة تتضمن ردوداً وملاحظات من تطبق عليهم من جانب، ويثق فيها المدرسون من جانب آخر، فإن الفرصة الحالية المتاحة لتطوير المنظومة التعليمية في الولايات المتحدة ستضيع. الواقع الحالي هو أن المدرسين يريدون أن يكونوا مسؤولين أمام طلابهم. أما ما تحتاجه إليه الولايات المتحدة، فهو عبارة عن منظومات تقييم معلمين مُطورة على نحو دقيق، تشمل مقاييس متعددة للأداء، وبحوث مسحية على الطلاب، ملاحظات على أداء المدرسين داخل الفصول من قبل زملائهم الأكثر خبرة، ونتائج اختبارات الطلاب. الأمر المثير للقلق بشكل خاص هو إمكانية استخدام نتائج الاختبارات بمفردها لتحديد جزء كبير من الطريقة التي يتم بها تقدير رواتب المعلمين. ولقد أتيحت لي شخصياً الفرصة للحديث مع العديد من المدرسين خلال السنوات الماضية، ولم يحدث ولو مرة واحدة أن أخبرني أي واحد منهم أنهم سيكونون مدفوعين بشكل أفضل، أو سيكونون معلمين جيدين، من خلال التنافس فقط مع المدرسين الآخرين في مدارسهم. المدرسون، على العكس من ذلك، يريدون بيئة قائمة على التعاون، يستطيعون فيها الاعتماد على بعضهم بعضاً ويتقاسمون خطط الدروس، ويحصلون على النصائح التي يريدونها، ويفهمون الأساليب التي تعمل بشكل جيد في الفصول الأخرى. المدرسون يقولون لي أيضاً إنه على رغم أهمية الرواتب، فإن هناك عوامل أخرى تهم أيضاً، مثل فرص التطوير المهني المتميزة، ومديري المدارس الأقوياء، وعائلات الطلاب المهتمة، والفرصة المتاحة للعمل مع زملاء متفاهمين. وفي حين يوجد مسوغ لمكافأة المدرسين اعتماداً على مستوى أداء طلابهم، يتعين على منظومات تحديد الرواتب، استخدام معايير متعددة بما في ذلك ملاحظة الأداء داخل الفصول على سبيل المثال لا الحصر. وفي المنظومات التعليمية المتفوقة، في أجزاء أخرى من العالم مثل سنغافورة وشنغهاي، يكسب المدرسون المتميزون المزيد من الأموال، من خلال تحمل مسؤوليات إضافية مثل تدريب وتعليم المدرسين الآخرين، ومساعدتهم على اكتساب ونشر تقنيات التعليم الفعالة. وتمثل مثل هذه المنظومات طريقة فعالة لاجتذاب، وإعادة تدريب، ومكافأة أفضل المدرسين، وتحقيق استفادة كبيرة من مهاراتهم، والاحتفاء بالطبيعة التعاونية للعمل في المدارس. ستُحسن الولايات، والمناطق، والإدارات التعليمية في الولايات المتحدة صنعاً عندما تقوم بالتشجيع على التوصل لدرجة التوازن السليمة في هذا الشأن. فولايات مثل كونيكتيكيت، وديلاور، وكنتاكي، مثالاً لا حصراً، تظهر قدرة على القيادة من خلال خلق تفاعل إيجابي لدى من يطبق عليهم النظام، ومنظومات تقييم تعكس صبر وانخراط المعلمين، والإدارات المدرسية. وهذا تحديداً هو المطلوب لبناء تلك النوعية من البنية الأساسية القادرة على الصمود أمام اختبار الزمن. دعونا إذن نفكر جيداً، ونحو نحاول التوصل للمقاربة المثلى في هذا المجال، بحيث يمكننا ذات يوم القول إن اللحظة الحالية كانت هي اللحظة التي توحدنا فيها سوياً، للدفع قدماً بالتطوير الطويل الأمد، الذي كانت مدارسنا في أمس الحاجة إليه. -------- ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»