جلبت شبكة الإنترنت وتقنيات الاتصال الحديثة منافع عظيمة على البشرية ما كان الأقدمون ليتخيلوها مثل تقريب المسافات وتوفير المعلومات وزيادة التواصل الإنساني. وعلى رغم ما تحمله هذه الابتكارات الحديثة من فوائد متعددة إلا أنها -كشأن أي اختراع- تجلب معها مضاراً أخرى إذا ما تم تسخيرها في خدمة الشر وما يضر الأفراد والمجتمعات. ومنذ ابتكار الإنترنت، باتت مسألة الرقابة عليها وفرض سياسة الحجب على المواقع التي تخالف القيم والمبادئ العامة أمراً ضرورياً عند كثير من حكومات العالم، فيما يرى البعض أن سياسة حجب المواقع تتنافى مع حرية الفرد وحقه في الوصول إلى المعلومات. والرقابة على الإنترنت هي التحكم في نشر المعلومات أو الوصول إليها على الإنترنت. وتستخدم الحكومات في الرقابة تقنيات تعتمد على جدار ناري أو «بروكسي»، حيث يكون لِزاماً على جميع المتعاملين مع الشبكة ضمن نطاق البلد أو مزود الخدمة المرور عبر خوادم «البروكسي» قبل الوصول إلى الشبكة. وحسب بعض الإحصائيات، فإن أكثر الدول تشدداً في الرقابة على الإنترنت هي بلاروسيا وماينمار والصين وكوبا حيث تمنع هذه الدول ملايين المواقع حتى محركات البحث مثل جوجل وياهو ومواقع التواصل الاجتماعي مثل الفيسبوك عدا عن مواقع الصحف العالمية. والرقابة على الإنترنت ليست حكراً على الدول ذات الأنظمة الشمولية، حتى إن أكثر الدول ديمقراطية تحظر المواقع التي تتنافى مع القوانين العامة في البلد مثل المواقع التي تحض على الكراهية والإرهاب، والمواقع التي تتاجر بالبشر أو المواقع النازية كما هو الحال في فرنسا وألمانيا. وفي دولة الإمارات وضعت هيئة تنظيم الاتصالات معايير لوصف المواقع التي يتم حظرها في الدولة وهي تشمل: محتوى الإنترنت الذي يتعارض مع القيم والأخلاق في الدولة، ومحتوى الإنترنت الذي يحتوي على المواد التي تعبر عن الكراهية للأديان، ومحتوى الإنترنت الذي لا يتوافق مع قوانين الدولة، وكذلك محتوى الإنترنت الذي يسمح أو يساعد المستخدمين على الوصول إلى المحتوى المحظور، ومحتوى الإنترنت الذي يشكل بشكل مباشر أو غير مباشر خطراً على مستخدمي الإنترنت مثل مواقع التصيد وأدوات القرصنة وبرامج التجسس، ومحتويات الإنترنت ذات الصلة بالميسر والقمار والتي توضح كيفية المقامرة وتروج لها، ومحتوى الإنترنت الذي يوفر معلومات حول شراء أو تصنيع أو ترويج أو استخدام الأدوية غير المشروعة. وضمن إحصائيات النفاذ للهيئة لشهر يناير للعام الجاري فإن 79 في المئة من المواقع التي تم حجبها تصنف ضمن المحتوى الذي يتعارض مع القيم والأخلاق في الدولة. ومع دخول مواقع التواصل الاجتماعي على الساحة، فإن مسألة الرقابة أصبحت أكثر صعوبة كون هذه المواقع تمكن لمستخدميها خدمات تحميل الصور والفيديو، وبالتالي لا يمكن حظر حساب معين لمستخدم يضع ما يشاء من مواد أو صور أو يروج لأفكار تخالف القوانين والأعراف والقيم، أو استخدام هذه المواقع لابتزاز الآخرين والاحتيال والتغرير بالقصّر، أو التعرض للأشخاص والرموز الوطنية أو الدينية بالسب والتشهير وتكدير السلم والأمن الاجتماعي. إن تدابير فرض المزيد من الرقابة أو التشديد في إصدار القوانين لضبط استخدام الأفراد للإنترنت على رغم أهميتها، فإنها لا يمكن لوحدها أن تخفف من آثارها السلبية. إننا نفتقد إلى غرس ثقافة الاستخدام الواعي والرشيد للإنترنت وتقنيات الاتصال الحديثة في أبنائنا، وهنا يأتي الدور على مؤسسات التعليم والأسر في المنازل بالتعاون مع المؤسسات الأمنية ورعاية الأحداث في مسؤولية توعية الأبناء حول ضوابط الاستخدام الواعي والرشيد للإنترنت.