من ضمن اختبارات الجهد الكاشفة لوجهة نظر سياسية ما، ذلك لخاص بالطريقة التي تتعامل بها وجهة النظر هذه مع الحقائق الكبيرة، المترابطة منطقياً، وغير المريحة إيديولوجياً في الآن ذاته. فبالنسبة لـ«المحافظين»، نجد أن التحدي الذي يواجههم يتمثل في التغير المناخي، حيث بينت تشكيلة من الدراسات، أن التغير المناخي يحدث بالفعل، وأن انبعاثات البيوت الزجاجية تلعب دوراً مهماً فيه. على رغم ذلك نجد أن عديدين في «اليمين» الأميركي، لا يشعرون بالراحة مع التداعيات السياسية لتلك الظاهرة، ولذلك ينكر بعضهم وجودها من الناحية العلمية، ويتجاهلها البعض الآخر، ويهون من شأنها. أما بالنسبة لليبراليين فيتمثل التحدي في العجز المالي والديون. فالرئيس أوباما، يرى أننا «قد قطعنا ما يزيد على نصف الشوط نحو إنقاص العجز بمقدار 4 تريليونات دولار، التي يقول الاقتصاديون والمسؤولون المنتخبون إننا يجب أن نتمكن من تقليصها لتحقيق استقرار الدين». والواقع أن التهوين من شأن الدين قد تحول إلى ما يشبه الالتزام العقائدي لدى «اليسار» الأميركي، وكثيراً ما يكون ذلك التهوين مصحوباً بنقد لهؤلاء الذين يضخمون من شأن الدين من خلال إلصاق محتوى معنوي بخلاف حسابي في الأساس. ولكن ذلك لا ينفي أن المشكلة بالنسبة لمنكري الدين، هي مشكلة حسابية في الأصل، فوفقاً لبيانات مكتب الميزانية في الكونجرس، فإن الدين «سيستقر» بالفعل، ولكنه عند مستوى عال تاريخي ولمدة خمس سنوات فقط. وبعد تلك السنوات الخمس سيستأنف الاتجاه الصاعد للدين مسيرته مرة أخرى، بسبب تزايد أعباء استحقاقات المعاشات خصوصاً بعد تقاعد جيل الآباء الحالي الذي ولد في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وهو ما سيؤدي- إلى جانب مستحقات التقاعد- إلى زيادة أعباء التأمين الصحي، والتوسع في الإعانات الصحية الفيدرالية. ويتوقع مكتب الميزانية بالكونجرس أن يرتفع حجم الدين بنسبة 157 في المئة من الناتج القومي الإجمالي عام 2032، ثم إلى 200 في المئة عام 2037. ولذلك فعندما يقول منكرو الدين إنه قد استقر، يكون قصدهم القول إنه طالما أن المشكلة لن تتجسد بشكل كامل خلال عقد من الزمن اعتباراً من الآن، فلا بأس من تجاهلها على الأقل في الوقت الراهن. عند ذكر هذه الأرقام، فإن أنصار أوباما عادة ما يسارعون للقول إن الرئيس لديه خطة فعالة لمواجهة تزايد أعباء الاستحقاقات على الرغم من أن التمعن في الخطط، التي يقولون إنها ستحقق ذلك سيقودنا إلى استنتاج بأن أياً منها لن يحقق الإصلاحات الهيكلية المطلوبة لتلافي الكارثة المحدقة، بل إن تلك الخطط ليست من النوع الذي يمكن أخذه على محمل الجد في الأساس. فكل ما فعله أوباما في هذا الشأن، أنه اقترح بعض الأفكار المبهمة وغير الكافية، التي لم يركز على أي منها على وجه التحديد، ولم يخاطر بالإنفاق من رأسماله السياسي عليها. فمنذ خطاب تنصيبه لولاية ثانية لم يفعل الرئيس شيئاً سوى أنه دافع بقوة عن حكومته في تشكيلتها ومواصفتها الحالية، مع الإقرار على مضض بالحاجة إلى إجراء «إصلاحات متواضعة» على نحو غير عاجل. وانعدام المسؤولية التي تتصف بها هذه المقاربة مذهل في الحقيقة لدرجة أنه يثير قضايا أخلاقية، كما أنه سيؤدي في النهاية لتقويض النمو الاقتصادي، ويقلص من مرونة الحكومة وقدرتها على التعامل مع حالات الانكماش والتراجع الاقتصادي المستقبلية، وكذلك حالات الطوارئ على المستوى القومي. اللامبالاة المدفوعة بأطر إيديولوجية تجاه العلم، أو تجاه الأرقام أمر شائع ويمكن التنبؤ به، ولكنه لا يؤدي لتغيير مستوى المحيطات، ولا حتى مستوى بحر العجز المالي. ---------- ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»