«آيدكس» الذي ينعقد هذه الأيام في عاصمة الإمارات يستقطب أنظار مختلف جهات العالم، إنه واحد من أشهر المعارض الدولية المتخصصة في الدفاع، تنتظره الشركات المتخصصة في عالم العسكرية لتعرض أحدث إنتاجها، وهو أيضاً فرصة للدول والشركات التجارية للبيع والشراء والمقارنة والتفاوض، إنها سوق ضخمة وغنية وفيها منافسة شرسة، فهناك ما يزيد على ألف شركة من حوالي ستين دولة جاءت لتعرض بضاعتها ومهاراتها هنا. و"آيدكس" له بعد آخر يتمثل في المناخ العلمي والتدريبي الذي يوفره فهو مناسبة لتطوير القدرات من خلال الندوات وورش العمل المتخصصة، وهو أيضاً فرصة لعشاق العروض للاطلاع على أحدث الموديلات ومهارات المقاتلات سواء الجوية أو البحرية أو البرية، إنها تجتمع جميعاً في مكان واحد، وأيضاً استعراض أحدث تقنيات التكنولوجيا في هذا الميدان. وكذلك فإن هذا المعرض في دورته الحادية عشرة، يمثل رقماً مهماً في جدوى السياحة المتخصصة التي تركز عليها الإمارة باستقطابه لهذا العدد الضخم من المشاركين والزوار، وكذلك حجم التغطية الإعلامية الدولية للحدث، لا شك أنه يرسخ ويدعم مكانة أبوظبي في سياحة المعارض والمؤتمرات المتخصصة، ويبين مدى ضخامة واكتمال البنية التحتية لهذا النوع من الصناعة، تذكّروا مثلًا كيف كان مبنى "أدنيك" الذي يقام فيه هذا المعرض قبل سنوات قريبة، وكيف أصبح اليوم، وكيف تحولت المنطقة التي تحيط به، حتى أصبحت مركزاً استراتيجياً لصناعة الأعمال. قدم لنا "آيدكس" هذه المرة باهتمام وتركيز مبادرة وطنية تسهم في تنمية العنصر البشري الموهوب، فنشرت الصحف يوم أمس الأول مثلًا ثلاثة أخبار عن "ابتكارات" جديدة لعدد من الطلاب المواطنين، تمثلت في اختراع أصغر طائرة استطلاع يمكنها حمل كاميرات متناهية الصغر للرصد والمتابعة، واختراع آخر عن تصميم كرسي للسيارات العسكرية بمواصفات خاصة يناسب احتياجات الجندي. وطالبة تعرض تصميم سيارة متعددة المهام للمشاركة في مسابقة عالمية ستنظم بواشنطن. أن تسمح لهؤلاء المخترعين الشباب بالمشاركة في مثل هذا المعرض الدولي خطوة مهمة، ولكن الأهم هو ما قامت به الشركة الوطنية "نمر" لصناعة السيارات التابعة لـ"توازن"القابضة، مثلا عندما تبنت أحد هذه المشاريع الاختراعية وطبقته، وأعطت هذه المواهب الوطنية فرصة لتحقيق أحلامها. قصص أبناء الإمارات الذين اخترعوا وحققوا نجاحات وسجل بعضهم اسمه واسم بلده بتفوق وريادة في سجل مسابقات دولية ومنظمات قرأنا عنها الكثير خلال السنوات الأخيرة، وقبل أشهر قريبة نشرت المنظمة العالمية للملكية الفكرية مثلًا أن اختراعين عالميين من أصل 18 اختراعاً لديها، مسجلة للمواطنة الإماراتية عيدة المحيربي وزوجها المهندس وصفي الشديفات. وفي دراسة لهذين الاثنين أوضحت أن المخترعين الإماراتيين أسهموا بنسبة 38 في المئة من مجموع الاختراعات العالمية المنشورة للإمارات خلال العام الماضي، والتي بلغ عددها 31 اختراعاً، وأن الدولة جاءت في المرتبة الثالثة من حيث عدد الاختراعات العربية المسجلة عالمياً خلال عام 2012. هذه الاختراعات هي من محيط البيئة التي يعيشها هذا الموهوب، تولّدت عنده لحل مشكلة يستشعرها في المجتمع أو لتطوير خدمة وإضافة مهارات جديدة في مجالات تهم الناس أو لعله يأتي بجديد يمثل قيمة مضافة في حياة الأفراد أو مصالحهم، كثير من مشاريع المخترعات التي أعلن عنها أبناء الإمارات كانت تصب في ذلك مثل "الريبوت في سباقات الهجن، والشيك الذكي، جهاز لمقاومة الهواء يعمل على خفض استهلاك الوقود، دائرة تحذير إلكترونية لحرارة زيت ناقل الحركة في المركبات، وكرسي لذوي الاحتياجات الخاصة يتحرك بالأوامر الصوتية، وتبريد الهواء داخل السيارة دون الاعتماد على الطاقة الكهربائية، واستخدام الطاقة الشمسية لتشغيل إشارات المرور وغيرها الكثير. الأفكار والابتكارات تحتاج إلى بيئة، وإلى من يرسم لها خط سير، ويغذيها ويستثمرها، وهذا الدور أول ما ينتبه له في البيت والمدرسة، وكذلك الجامعات التي يفترض منها أن تكون مصنعاً للأفكار وورشاً لتدريب وتطوير وتبني المواهب، ولابد لهذه الجامعات أن تمتلك الموارد التي تمكنها من أن تقدم هؤلاء العلماء الشباب إلى المجتمع، وأن تجد الدعم المناسب من القطاعين العام والخاص لتقوم بهذا الدور كما هي المجتمعات العريقة الأخرى في مختلف أنحاء العالم. جيل المخترعين الذي يولد ويكبر بيننا اليوم هو مشروع رائد وغني يعنينا جميعاً، ونتحمل جميعاً مسؤولية نجاحه وتنميته وتشجيعه، إنه أحد أركان مستقبلنا الأفضل الذي نحلم به. وهناك مبادرة مهمة لمشروع طموح يتمثل في لجنة أبوظبي لتطوير التكنولوجيا، والتي أطلقت برنامجاً متكاملا لدعم الابتكار في الإمارة، وهدفه في المرحلة الأولى زيادة عدد براءات الاختراع الدولية في الإمارة، برنامج عمل هذه اللجنة ونتائجها ستضيف الكثير ليس للإمارة والدولة فقط، إنما للمعرفة وللعلوم بشكل عام، وتجارب العلماء الذين تنتهي أسماؤهم بألقاب عربية أو تعود جذورهم إلى دول فقيرة أو مبتلية بالحروب والتخلف، والذين أبدعوا وتميزوا ونجحوا وأضافوا لحياتنا اختراعات مفيدة ونظريات مبتكرة، عندما وجدوا حكومات ومنظمات وجهات دولية تتبناهم وتؤمن بأفكارهم ومشاريعهم وتوفر لهم المناخ المناسب استطاعوا أن يتميزوا ويخدموا ويخلصوا للعلم ولتلك المجتمعات التي احتضنتهم ودعمتهم. بيئاتنا غنية بالمواهب والعقول الغنية بالطموح والذكاء، لكنها تحتاج إلى من يصقلها ويستغل مهاراتها وينمّيها، ومن يوفر لها الدعم وسبل النجاح.