بديل الرأسمالية
يشبّه برناردشو في كتابه «بيوت الأرامل» النظامَ الرأسمالي بالسيارة التي يمتلئ خزانها بوقود لا ينفد، وتنطلق إلى الأمام بأقصى قوتها، لكنها تفتقر للمقود والمكابح! لذلك فهي تصطدم بجميع الحواجز التي تعترضها، فتغير مسارها دون أن تتوقف.
وتلك حقيقة أدركها عقلاء الغربيين من المختصين في علم الاقتصاد، حيث لاحظوا أن الخلل يكمن في طبيعة النظام الرأسمالي وجوهر بنائه. ومن هنا تأتي الأزمات التي تضرب مفاصل الجسد الاقتصادي، مثل الكساد الكبير الذي حدث عام 1928، والأزمات التي شهدتها سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، وما حدث للمكسيك عام 1997، ولجنوب شرق آسيا عام 1998، والانفجار الذي شهده عام 2008، وطالت آثاره مساحة واسعة من العالم.
ويتفق غالبية المختصين على أن ابتعاد النظام الرأسمالي عن ممارسة الدور الأخلاقي في وظيفته الاقتصادية، وهو دور كان يفترض أن يساعد على ترشيد الحياة الاقتصادية وتهذيب سلوكها، لكن غيابه تسبب في الأزمات الاقتصادية.
إن غياب الدور الأخلاقي حرم النظام الرأسمالي من القدرة على معالجة إشكالياته، حيث فشل في تحقيق معادلة الإشباع المادي والروحي للإنسان، وفي إيجاد علاج ناجع لمشكلات الفقر والبطالة والمديونية. لقد ركز النظام الرأسمالي على الجانب المادي، لأنه بُني على الاحتكار والتعامل بالمشتقات المالية وبيع الدين بالدين... مما كرّس اختلالات غير يسيرة.
وإلى ذلك فالنظام الرأسمالي مبني على مسألة الفائدة، وعلى المصلحة الفردية التي تسمح للمتحكمين في البورصات وأسواق المال والبنوك والشركات، بالثراء على حساب الأغلبية وخلافاً لمبدأ حرية السوق التي أصبحت شعاراً للنظام الرأسمالي. وهنا يصف الفيلسوف الفرنسي غارودي غياب دور الرقابة كسبب لتراكم الأزمات في مركز النظام وأطرافه.
كل تلك الأسباب أيقظت العقل الغربي وحركت لديه الوعي بحقيقة الخلل الذي يعانيه النظام الرأسمالي، وجعلت بعض العقلاء ينادون بإيجاد البديل، فلم يجدوه إلا في الإسلام، حيث ثبت أن نظام الاقتصاد الإسلامي قادر على إنقاذ العالم، لكونه يحقق التوازن بين الروح والجسد، ويوفر الاحتياجات المادية للإنسان دون إفراط في إشباع جانب على حساب الجانب الآخر، بل يوازن بين مصالح الجميع بما يخدم الفرد والمجتمع معاً.
وقد كتب المحلل الاقتصادي في مجلة "تشالينجز"، بوفيلس فينسينت، تحت عنوان "البابا أم القرآن"، منتقداً الرأسمالية، فقال: "إننا بحاجة في هذه الأزمة الاقتصادية التي تمر بالعالم إلى قراءة القرآن لفهم ما يحدث بنا وبمصارفنا، لأنه لو حاول القائمون على مصارفنا احترام ما ورد في القرآن من أحكام وطبقوها ما حلّت بنا أزمات".
كما كتب رولاند لاسكاين، رئيس تحرير صحيفة "لوجورنال دفينانس"، تحت عنوان "هل تأهلت وول ستريت لاعتناق مبادئ الشريعة الإسلامية"، مُطالباً بتطبيق الشريعة الإسلامية في المجال المالي والاقتصادي لوضع حد للأزمات التي تصيب العالم، ووجه نقداً للنظام الرأسمالي.
وفي كتابها "الاقتصاديات المارقة"، أكدت الباحثة الإيطالية لورينا نابليوني أن التوازن في الأسواق المالية يمكن التوصل إليه بفضل التمويل الإسلامي، لأنه القطاع الأكثر ديناميكية في عالم المال، ولأن المصارف الإسلامية قد تصبح البديل المناسب للبنوك الغربية. وذلك أيضاً ما طالب به "موريس أليس" الحاصل على جائزة نوبل في العلوم الاقتصادية عام 1988، أي إلغاء الفائدة، وجعلها تصل إلى الصفر.